مهداة إلى روح شهيد الفجر صديقي وابن صفي الشهيد “سفيان زاهدة” وأرواح شهداء مجزرة المسجد الإبراهيمي الشريف (رحمهم الله جميعا) الذين عرجوا إلى الجنان فجر 25.2.1994.
=======================================
المسك الفواح
لا تَحْسَبيني مِنَ الْأَوْجاعِ مُرْتاحا *** وَإِنْ صَبَبْتُ لِصَحْبي الشِّعْرَ أَقْداحا
فَمُتْعَبٌ أنَاْ، يا لَيْلى، بِقافِيَتي *** وَالرّوحُ أَمْسى مِنَ الْأَحْزانِ صَدّاحا
إِنْ تَأْذَني بِانْطِفاءِ النّارِ في كَبِدي *** وَبَيْنَنا أَلْفُ بَحْرٍ جِئْتُ سَبّاحا
عَيْنُ الْيَراعِ وَعَيْنُ الشِّعْرِ قَدْ بَكَتا *** عَلى فُؤادي الَّذي مِنْ حُزْنِهِ ناحا
وَلا يَدٌ كَفْكَفَتْ دَمْعي، وَلا احْتَضَنَتْ *** قَلْبي الْحَبيبَةُ لَمّا بِالْهَوى باحا
لا توقِظي الْجُرْحَ يا أَشْعارُ إِنْ أَخَذَتْ *** نَزيفَهُ سِنَةٌ في الْفَجْرِ وَارْتاحا
الشِّعْرُ جَنَّةُ روحٍ لَيْسَ تُخْرِجُهُ *** مِنْها وَساوِسُ أَفْعى حِقْدُها لاحا
كَمْ راوَدَتْني عَنِ الْأَشْعارِ فاتِنَةٌ *** وَمَنَّتِ النَّفْسَ رُمّانًا وَتُفّاحا
فَما عَبِئْتُ بِها لَمّا رَأى قَلَمي *** بُرْهانَ رَبّيَ شِعْرًا مِسْكُهُ فاحا
مَدَحْتُ فيهِ رَسولَ اللهِ مِنْ صِغَري *** وَلَمْ أَكُنْ، لِسِوى الْمُخْتارِ، مَدّاحا
وَجاءَني صاحِبٌ فَذٌّ لِيَنْصَحَني *** وَخَيْرُ صَحْبِكَ مَنْ قَدْ كانَ نَصّاحا
وَقَدْ حَباني إِلهُ الْعَرْشِ مِنْ كَرَمٍ *** صَحْبا كِرامًا وَأَفْذاذًا وَنُصّاحا
(هَوِّنْ عَلَيْكَ فَإِنَّ اللهَ فارِجُها *** وَإِنَّ لِلْبابِ مَهْما ضاقَ مِفْتاحا) (1)
فَقُلْتُ: ما لي سِوى رَبّي، سَيَفْتَحُ لي *** أَبْوابَ رَحْمَتِهِ مَنْ كانَ فَتّاحا
وَما بَكَيْتُ عَلى نَفْسي وَإِنْ أَلِمَتْ *** لكِنْ عَلى وَطَنٍ يَقْتاتُ أَتْراحا
أَرى فِلَسْطينَ وَالْمُسْتَوطَناتِ كَما *** أُمٍّ بِها وَرَمٌ قَدْ زادَ وَانْداحا
وَما تَطَوَّعَ آسٍ كَيْ يُعالِجَها *** وَلا اسْتَشارَ لَها الْأَبْناءُ جَرّاحا
وَكَمْ أَتاها حَديثُ الْإِفْكِ مِنْ نَغِلٍ! *** كَمْ أَعْجَمِيٍّ رَمى بِاللَّحْنِ أَقْحاحا!
فَلَمْ يَرِفَّ لَها جَفْنٌ وَلا هُدُبٌ *** وَهل تَهابُ الْجِبالُ الشُّمُّ أَرْياحا؟!
وَحاقِدٍ لا يَرى إِلّا الَّذي رَضِيَتْ *** بَنو الْأَفاعي بِهِ كَسْبًا وَأَرْباحا
وَلَوْ هُمُ قَبِلوا مِنْ خائِنٍ عَمَلًا *** لَزادَ كاتِبُهُ التَّلْمودَ إِصْحاحا
عَلى الْأَعادي خَروفٌ لا قُرونَ لَهُ *** وَصارَ لِلشَّعْبِ جَزّارًا وَسَفّاحًا
كَأَنَّما مَعْ (نِتِنْياهو) مُسابَقَةً *** أَجْرى لِيَحْصُدَ آمالًا وَأَرْواحا
تَبْكي الْخَليلُ عَلى أَبْنائِها حَزَنًا *** وَإِنْ هُمْ مَلَأوا الْفِرْدَوْسَ أَفْراحا
تُزَغْرِدُ الْأُمُّ في عُرْسِ الشَّهيدِ وَفي *** فُؤادِها غَرَسَ الْفِقْدانُ أَرْماحا
كَيْما يَظُنَّ الْعِدا أَنْ قَدْ بَكَتْ فَرَحًا *** كَمْ شامِتٍ رَشَّ فَوْقَ الْجُرْحِ أَمْلاحا
أَمّا أَبوهُ فَيَبْكي فَقْرَةً كُسِرَتْ *** في ظَهْرِهِ … وَبَدا لِلنّاسِ طَحْطاحا (2)
أَمّا أَنا … فَدُموعُ الْمُهْجَةِ انْسَكَبَتْ *** لَمّا غَبَطْتُ صَديقًا حازَ أَدْواحا
إِنَّ الشَّهيدَ كِرامُ النّاسِ تَغْبِطُهُ *** عَلى الْجَنائِنِ إِمْساءً وَإِصْباحا
تَظَلُّ ذِكْرى شَهيدِ الْفَجْرِ عابِقَةً **** فَدَمُّهُ لَمْ يَزَلْ بِالْمِسْكِ فَوّاحا
الظهران، 25.2.2017 جواد يونس
منقحة، 25.2.2018
============
(1) البيت للمبدع الفلسطيني الكبير الشاعر محمود مفلح (حفظه الله)
(2) الطَحْطاحُ: الأَسَدُ.