تَهْمي حُروفُ الشِّعْرِ مِنْ أَحْداقي * تَرْوي جُذورَ الْحُبِّ في أَعْماقي
أَسْرى إِلى الْبَلَدِ الْحَرامِ بِخافِقي * شَوْقٌ مِنَ الْأَقْصى مَضى كَبُراقِ
مِنْ (مُؤْتَةِ) الطَّيّارِ جِئْتُ مُلَبِّيًا * مَعَ خَيْرِ أَصْحابٍ عَلى الْإِطْلاقِ
لِأَزورَ مَنْ أَهْواهُ مِنْ صِغَري وَمَنْ * هُوَ لِلْبَرِيَّةِ مِنْحَةُ الْخَلّاقِ
كَمْ جِئْتُ طَيْبَةَ … ما ارْتَوَتْ مِنْ حُسْنِها * عَيْنا الْمُحِبِّ الْعاشِقِ الْمُشْتاقِ
صَلّى عَلَيْكَ اللهُ يا مَنْ نَثْرُنا * بِمَديحِهِ يَغْدو مِنَ الْأَعْلاقِ
أَنَاْ لَسْتُ في الصَّحْراءِ إِلّا شاعِرًا * مِنْ بَيْنِ مِلْيونٍ بِذي الْآفاقِ
لكِنَّني في الْعِشْقِ لَسْتُ مُقَلِّدًا * إِنّي الْإِمامُ بِمَذْهَبِ الْعُشّاقِ
يا مَنْ هَجَرْتَ رُبوعَ مَكَّةَ حالِمًا * بِمَدينَةٍ فُضْلى وَحُكْمٍ راقِ
لا ظُلْمَ فيها لِلضَّعيفِ وَتَسْتَوي * فيها أَمامَكَ سائِرُ الْأَعْراقِ
وَأَتَيْتَ طَيْبَةَ كَيْ تُؤَسِّسَ دَوْلَةً * دُسْتورُها الْقُرْآنُ شَرْعُ الْباقي
ما جِئْتَها تَرْجو نَعيمًا زائِلًا * ما كُنْتَ تَشْكو وَطْأَةَ الْإِمْلاقِ
لَوْ شِئْتَ صِرْتَ مَليكَ مَكَّةَ وَارْتَمَتْ * في حِضْنِكَ الْغاداتُ كَالْأَطْواقِ
لكِنَّ تاجَكَ حُبُّ أُمَّتِكَ الَّتي * أَوْصَيْتَها بِمَكارِمِ الْأَخْلاقِ
كَمْ عاشِقٍ لَكَ إِنْ ذُكِرْتَ تَرَقْرَقَتْ * دَمْعاتُهُ كَالدُّرِّ في الْآماقِ
كَمْ عِشْتَ مُغْتَرِبًا عَنِ الْبَلَدِ الَّذي * تَهْفو إِلَيْهِ قُلوبُ كُلِّ رِفاقي
هُمْ أَخْرَجوكَ وَخَيْرَ صَحْبِكَ عُنْوَةً * وَسَقَوْكَ لَوْعَةَ غُرْبَةٍ وَفِراقِ
مِنْ حُمْقِهِمْ لَمْ يَرْتَضوا بَدْرَ الدُّجى * وَنُجومَهُ وَرَضَوْا بِعَتْمِ مُحاقِ
في الْغارِ كُنْتَ مِنْ الْخُيولِ مُطارَدًا * وَجُنودُ رَبِّكَ ظُلْمَةُ الْأَنْفاقِ
أَنَسيتَ لَمّا جِئْتَ مَكَّةَ فاتِحًا * ما كُنْتَ مِنْهُمْ يا حَبيبُ تُلاقي؟
من خَوْفِهِمْ دَخَلوا خُدورَ نِسائِهِمْ * ما ثَمَّ فُرْسانٌ بِأَيِّ زُقاقِ
وَعَفَوْتَ عَنْهُمْ بَعْدَ مَقْدَرَةِ فَلَمْ * تَكُ يا مُحَمَّدُ ضارِبَ الْأَعْناقِ
ما الدّينَ إِلّا الْحُبُّ يَعْبَقُ عِطْرُهُ * بَيْنَ الْأَنامِ كَنَفْحَةِ الْأَشْواقِ
=====
قُمْ وَاسْقِني كَأْسَ الْمُنى يا ساقِ * قَدْ أَثْقَلَتْ أَغْلالُ يَأْسي ساقي
هَجَمَتْ عَلى حُلُمي الْهُمومُ كَأَنَّها * أَرْتالُ جَيْشٍ كامِلِ الْأَنْساقِ
وَتَحَلَّقَتْ حَوْلي الْمَصائِبُ، بَلْ غَدَتْ * أُنْشوطَةَ الْإِعْدامِ حَوْلَ خِناقي
ماذا أَقولُ سِوى الَّذي أَهْذي بِهِ * وَبَناتُ دَهْري قَدْ عَشِقْنَ عِناقي؟
هذي الْقَصائِدُ لَمْ تَعُدْ تَشْفي كَما * كانَتْ لِقَلْبي تَمْتَماتِ الرّاقي
هذي الْحُروفُ خُيولُ فَحْلٍ أُجْهِدَتْ * باتَتْ تُعاني شِدَّةَ الْإِرْهاقِ
كَالْعادِياتِ غَدَتْ وَكَمْ حَمَّلْتُها * ما لا تُطيقُ كَمِثْلِ خَيْلِ سِباقِ
أَتْعَبْتُها مِنْ شِدَّةِ الْأَلَمِ الَّذي * في الصَّدْرِ فَالْأَلْحانُ كالتِّرْياقِ
ما الشِّعْرُ إِلّا الْوَحْيُ يَأْتي هاتِفًا * لِيَراعَةٍ بُرِيَتْ مِنَ الْأَشْواقِ
الشِّعْرُ رَسْمُ الرّوحِ بِالْكَلِماتِ في * رَوْضٍ إِلى قَطْرِ النَّدى تَوّاقِ
ما كانَ تِمْثالًا بِلا روحٍ وَلا * هُوَ حِرْفَةٌ لِتَكَسُّبِ الْأَرْزاقِ
ما كانَ مِنْبَرَ أَيِّ حِزْبٍ فاشِلٍ * أَوْ بوقَ تَنْظيرٍ مِنَ الْأَبْواقِ
ما كانَ مَدْحًا لِلظَّلومِ وَمَنْ مَضى * بِالشَّعْبِ مِنْ فَشَلٍ إِلى إِخْفاقِ
أَنّى أُصَدِّقُ فَخْرَ حَرْفٍ خانِعٍ * وَيَراعَةً كَمْ كُرِّسَتْ لِنِفاقِ؟!
أَنَاْ ما مَدَحْتُ بِأَيِّ يَوْمٍ ظالِمًا * طَمَعًا وَإِنْ مُنّيتُ بِالْإِغْداقِ
رِزْقي عَلى رَبِّ الْعِبادِ يَسوقُهُ * جودُ الْكَريمِ الرّازِقِ الرَّزّاقِ
مَدْحي الرَّسولَ يَزيدُ شِعْري رَوْنَقًا * وَبِهِ أَنالُ مِنَ اللَّظى إِعْتاقي
أَوَ تَمْدَحُ الظُّلّامَ ثُمَّ تَرومُ في * مَدْحي عَدُوَّ الْقاسِطينَ لَحاقي؟!
لا يَمْدَحُ الْمُخْتارَ إِلّا طاهِرٌ * مِنْ مَدْحِ ظُلّامٍ بِلا أَخْلاقِ
======
إنْ يُذْكَرِ الْمُخْتارُ في الْأَعْلاقِ * تَجُدِ الْعُيونُ بِدَمْعِها الرَّقْراقِ
يَغْدو الْقَصيدُ بِمَدْحِ أَحْمَدَ عَسْجَدًا * في غايَةِ الْإِتْقانِ وَالْإِفْلاقِ
ما كُنْتُ أَوَّلَ مادِحٍ أَخْلاقَهُ * بِحُروفِ فَحْلٍ كَالْخُيولِ عِتاقِ
لكِنَّما ضَمَّخْتُها بِالْمِسْكِ مِنْ * شُهَداءِ شَعْبٍ طَيِّبِ الْأَعْراقِ
مَنْ مِثْلُ أَحْمَدَ قَدْ عَفا مِنْ قُدْرَةٍ * عَمَّنْ بِهِ ائْتَمَروا مِنَ الْبُوّاقِ
مَنْ غَيْرُهُ جَمَعَ الْقُلوبَ عَلى التُّقى * في أُلْفَةٍ وَمَحَبَّةٍ كَرِتاقِ
وَالْآنَ عُدْنا بَعْدَهُ زَبَدًا عَلا * بَحْرًا يَموجُ بِفُرْقَةٍ وَشِقاقِ
قُمْ يا رَسولَ اللهِ وَانْظُرْ حالَةً * صِرْنا لَها تَدْعو إِلى الْإِشْفاقِ
أَحْلامُنا أَمْسَتْ بِضاعَةَ تاجِرٍ * جَهْرًا يَبيعُ الْعِرْضَ في الْأَسْواقِ
وَرَبيعُنا أَمْسى خَريفًا بائِسًا * وَتَشَوَّهَتْ أَحْلامُنا كَبُهاقِ
صِرْنا عَرايا دونَ أَحْلامٍ كَما * أَشْجارِ تينٍ دونَما أَوْراقِ
أَوْطانُنا أَمْسَتْ مَزارِعَ مَنْ بَغَوْا * كَمَزارِعِ التُّفّاحِ وَالدُّرّاقِ
نَهَبوا الْبِلادَ فَكَيْفَ يُرْجى مِنْهُمُ * تَطْبيقُ حَدِّ اللهِ في السَّراقِ؟!
عُرْفِيٌّ الْعَقْدُ الَّذي هُمْ أَعْلَنوا * عَقْدَ الْقِرانِ بِهِ بِدونِ صَداقِ
وَلَهُمْ عَلى الشَّعْبِ الْقَوامَةُ دونَما * فَضْلٍ وَلا شَرَفٍ وَلا إِنْفاقِ
كَمْ عَنْدَليبٍ قَطَّعوا أَوْتارَهُ * فَنَشيدُنا حِكْرٌ عَلى النَّعّاقِ
كَمْ مِنْ أُسودٍ في السُّجونِ لِأَنَّها * كَفَرَتْ بِعَهْدِ الْكاذِبِ الْأَفّاقِ
وَالشَّعْبُ مُعْتاشٌ عَلى صَدَقاتِهِمْ * ما نالَ إِلّا فَضْلَةَ الْأَطْباقِ
وَقُصورُهُمْ بَهَتَتْ زَخارِفُ مَجْدِها * إِذْ شَوَّهوا بِالظُّلْمِ كُلَّ رِواقِ
قُمْ يا رَسولَ اللهِ وَانْظُرْ حالَنا * دَمْعُ الْأَسى يَهْمي عَلى أَوْراقي
الشّامُ ديسَ الْفُلُّ في رَوْضاتِها * بِاسْمِ الْحِفاظِ عَلى عَلا الْخَفّاقِ
أَمّا الْفُراتُ فَما يَزالُ مُقاوِمًا * مَنْ رامَ جَهْلًا كَسْرَ عَيْنِ عِراقي
وَالنّيلُ يَجْري كاتِمًا أَنْفاسَهُ * مِثْلَ الْمُصابِ بِقُحَّةٍ وَخُناقِ
عَدَنٌ جَرَتْ مِنْ تَحْتِها الْأَنْهارُ بِالدَّمِ لا بِشَهْدِ مَحَبَّةٍ وَوِفاقِ
أَوْرى الْمَجوسُ النّار فيها عِنْدَما * ظَنّوا بِحارَ الْعُرْبِ مَحْضَ بُصاقِ
سَيْفي يُصادِرُهُ أَخي وَعَدُوُّنا * في الْقُدْسِ شَدَّ إِلى الْحَديدِ وَثاقي
مَنْ ذا الَّذي يُقصي سَلاحَ مُقاوِمٍ * إِلّا الَّذي أَمْسى أَخا النَّهّاقِ؟!
فَبَنو الْأَفاعي لَيْسَ يُؤْمَنُ غَدْرُهُمْ * كَمْ بادَروا الْأَطْفالَ بِالْإِحْراقِ
كَمْ جُعْبَةٍ قَدْ أَفْرَغوا في ظَهْرِ مَنْ * هُوَ ساجِدُ فَأَطالَ في الْإِطْراقِ
كَمْ آهَةٍ في اللَّيْلِ قَدَّتْ عَتْمَهَ * مِنْ قَلْبِ مَكْلومٍ وَروحِ مُعاقِ
كَمْ أَغْرَقَتْ أَحْلامَنا دَوّامَةٌ * لَمْ تَنْجُ لَوْ رُؤْيا مِنَ الْإِغْراقِ
كَمْ يَسْكَرُ الْمُحْتَلُّ في وَطَنِ الْبَها * بَدَمٍ عَلى أَرْضِ السَّلامِ مُراقِ
وَالْمَسْجِدُ الْأَقْصى يُؤَذِّنُ باكِيًا * (اللهُ أَكْبَرُ) مِنْ خَنا الْأَفّاقِ
وَالْمُسْلِمونَ جَميعُهُمْ في غَفْلَةٍ * فَكَأَنَّما الْأَقْصى بِواقِ الْواقِ!
كَمْ حارَ عَقْلي بَيْنَ أُمٍّ زَغْرَدَتْ * وَأَبِ الشَّهيدِ بِدَمْعِهِ الْمُهْراقِ
مَنْ مِنْهُما سَيُصَدِّقُ الْقَلَمُ الَّذي * ما زالَ يَبْحَثُ عَنْ سَنا مِصْداقِ
وَصّى الشَّهيدُ وَقالَ: يا قَوْمِ احْذَروا * مِنْ آل سِلْمٍ خادِعٍ بَرّاقِ
صُهْيونُ لَمْ يَجْنَحْ لِسَلْمٍ فَاجْنَحوا * يا سادَتي الثُّوّارَ لِلْأَنْفاقِ
الظهران، 4.1.2015
عمان، 15/16.10.2015
منقحة، 23.12.2015