إِمَــــامُ الْعُـشَّــــاق ــ د. جواد يونس أبو هليل

0
665

تَهْمي حُروفُ الشِّعْرِ مِنْ أَحْداقي * تَرْوي جُذورَ الْحُبِّ في أَعْماقي

أَسْرى إِلى الْبَلَدِ الْحَرامِ بِخافِقي * شَوْقٌ مِنَ الْأَقْصى مَضى كَبُراقِ

مِنْ (مُؤْتَةِ) الطَّيّارِ جِئْتُ مُلَبِّيًا * مَعَ خَيْرِ أَصْحابٍ عَلى الْإِطْلاقِ

لِأَزورَ مَنْ أَهْواهُ مِنْ صِغَري وَمَنْ * هُوَ لِلْبَرِيَّةِ مِنْحَةُ الْخَلّاقِ

كَمْ جِئْتُ طَيْبَةَ … ما ارْتَوَتْ مِنْ حُسْنِها * عَيْنا الْمُحِبِّ الْعاشِقِ الْمُشْتاقِ

صَلّى عَلَيْكَ اللهُ يا مَنْ نَثْرُنا * بِمَديحِهِ يَغْدو مِنَ الْأَعْلاقِ

أَنَاْ لَسْتُ في الصَّحْراءِ إِلّا شاعِرًا * مِنْ بَيْنِ مِلْيونٍ بِذي الْآفاقِ

لكِنَّني في الْعِشْقِ لَسْتُ مُقَلِّدًا * إِنّي الْإِمامُ بِمَذْهَبِ الْعُشّاقِ

يا مَنْ هَجَرْتَ رُبوعَ مَكَّةَ حالِمًا * بِمَدينَةٍ فُضْلى وَحُكْمٍ راقِ

لا ظُلْمَ فيها لِلضَّعيفِ وَتَسْتَوي * فيها أَمامَكَ سائِرُ الْأَعْراقِ

وَأَتَيْتَ طَيْبَةَ كَيْ تُؤَسِّسَ دَوْلَةً * دُسْتورُها الْقُرْآنُ شَرْعُ الْباقي

ما جِئْتَها تَرْجو نَعيمًا زائِلًا * ما كُنْتَ تَشْكو وَطْأَةَ الْإِمْلاقِ

لَوْ شِئْتَ صِرْتَ مَليكَ مَكَّةَ وَارْتَمَتْ * في حِضْنِكَ الْغاداتُ كَالْأَطْواقِ

لكِنَّ تاجَكَ حُبُّ أُمَّتِكَ الَّتي * أَوْصَيْتَها بِمَكارِمِ الْأَخْلاقِ

كَمْ عاشِقٍ لَكَ إِنْ ذُكِرْتَ تَرَقْرَقَتْ * دَمْعاتُهُ كَالدُّرِّ في الْآماقِ

كَمْ عِشْتَ مُغْتَرِبًا عَنِ الْبَلَدِ الَّذي * تَهْفو إِلَيْهِ قُلوبُ كُلِّ رِفاقي

هُمْ أَخْرَجوكَ وَخَيْرَ صَحْبِكَ عُنْوَةً * وَسَقَوْكَ لَوْعَةَ غُرْبَةٍ وَفِراقِ

مِنْ حُمْقِهِمْ لَمْ يَرْتَضوا بَدْرَ الدُّجى * وَنُجومَهُ وَرَضَوْا بِعَتْمِ مُحاقِ

في الْغارِ كُنْتَ مِنْ الْخُيولِ مُطارَدًا * وَجُنودُ رَبِّكَ ظُلْمَةُ الْأَنْفاقِ

أَنَسيتَ لَمّا جِئْتَ مَكَّةَ فاتِحًا * ما كُنْتَ مِنْهُمْ يا حَبيبُ تُلاقي؟

من خَوْفِهِمْ دَخَلوا خُدورَ نِسائِهِمْ * ما ثَمَّ فُرْسانٌ بِأَيِّ زُقاقِ

وَعَفَوْتَ عَنْهُمْ بَعْدَ مَقْدَرَةِ فَلَمْ * تَكُ يا مُحَمَّدُ ضارِبَ الْأَعْناقِ

ما الدّينَ إِلّا الْحُبُّ يَعْبَقُ عِطْرُهُ * بَيْنَ الْأَنامِ كَنَفْحَةِ الْأَشْواقِ
=====
قُمْ وَاسْقِني كَأْسَ الْمُنى يا ساقِ * قَدْ أَثْقَلَتْ أَغْلالُ يَأْسي ساقي

هَجَمَتْ عَلى حُلُمي الْهُمومُ كَأَنَّها * أَرْتالُ جَيْشٍ كامِلِ الْأَنْساقِ

وَتَحَلَّقَتْ حَوْلي الْمَصائِبُ، بَلْ غَدَتْ * أُنْشوطَةَ الْإِعْدامِ حَوْلَ خِناقي

ماذا أَقولُ سِوى الَّذي أَهْذي بِهِ * وَبَناتُ دَهْري قَدْ عَشِقْنَ عِناقي؟

هذي الْقَصائِدُ لَمْ تَعُدْ تَشْفي كَما * كانَتْ لِقَلْبي تَمْتَماتِ الرّاقي

هذي الْحُروفُ خُيولُ فَحْلٍ أُجْهِدَتْ * باتَتْ تُعاني شِدَّةَ الْإِرْهاقِ

كَالْعادِياتِ غَدَتْ وَكَمْ حَمَّلْتُها * ما لا تُطيقُ كَمِثْلِ خَيْلِ سِباقِ

أَتْعَبْتُها مِنْ شِدَّةِ الْأَلَمِ الَّذي * في الصَّدْرِ فَالْأَلْحانُ كالتِّرْياقِ

ما الشِّعْرُ إِلّا الْوَحْيُ يَأْتي هاتِفًا * لِيَراعَةٍ بُرِيَتْ مِنَ الْأَشْواقِ

الشِّعْرُ رَسْمُ الرّوحِ بِالْكَلِماتِ في * رَوْضٍ إِلى قَطْرِ النَّدى تَوّاقِ

ما كانَ تِمْثالًا بِلا روحٍ وَلا * هُوَ حِرْفَةٌ لِتَكَسُّبِ الْأَرْزاقِ

ما كانَ مِنْبَرَ أَيِّ حِزْبٍ فاشِلٍ * أَوْ بوقَ تَنْظيرٍ مِنَ الْأَبْواقِ

ما كانَ مَدْحًا لِلظَّلومِ وَمَنْ مَضى * بِالشَّعْبِ مِنْ فَشَلٍ إِلى إِخْفاقِ

أَنّى أُصَدِّقُ فَخْرَ حَرْفٍ خانِعٍ * وَيَراعَةً كَمْ كُرِّسَتْ لِنِفاقِ؟!

أَنَاْ ما مَدَحْتُ بِأَيِّ يَوْمٍ ظالِمًا * طَمَعًا وَإِنْ مُنّيتُ بِالْإِغْداقِ

رِزْقي عَلى رَبِّ الْعِبادِ يَسوقُهُ * جودُ الْكَريمِ الرّازِقِ الرَّزّاقِ

مَدْحي الرَّسولَ يَزيدُ شِعْري رَوْنَقًا * وَبِهِ أَنالُ مِنَ اللَّظى إِعْتاقي

أَوَ تَمْدَحُ الظُّلّامَ ثُمَّ تَرومُ في * مَدْحي عَدُوَّ الْقاسِطينَ لَحاقي؟!

لا يَمْدَحُ الْمُخْتارَ إِلّا طاهِرٌ * مِنْ مَدْحِ ظُلّامٍ بِلا أَخْلاقِ
======
إنْ يُذْكَرِ الْمُخْتارُ في الْأَعْلاقِ * تَجُدِ الْعُيونُ بِدَمْعِها الرَّقْراقِ

يَغْدو الْقَصيدُ بِمَدْحِ أَحْمَدَ عَسْجَدًا * في غايَةِ الْإِتْقانِ وَالْإِفْلاقِ

ما كُنْتُ أَوَّلَ مادِحٍ أَخْلاقَهُ * بِحُروفِ فَحْلٍ كَالْخُيولِ عِتاقِ

لكِنَّما ضَمَّخْتُها بِالْمِسْكِ مِنْ * شُهَداءِ شَعْبٍ طَيِّبِ الْأَعْراقِ

مَنْ مِثْلُ أَحْمَدَ قَدْ عَفا مِنْ قُدْرَةٍ * عَمَّنْ بِهِ ائْتَمَروا مِنَ الْبُوّاقِ

مَنْ غَيْرُهُ جَمَعَ الْقُلوبَ عَلى التُّقى * في أُلْفَةٍ وَمَحَبَّةٍ كَرِتاقِ

وَالْآنَ عُدْنا بَعْدَهُ زَبَدًا عَلا * بَحْرًا يَموجُ بِفُرْقَةٍ وَشِقاقِ

قُمْ يا رَسولَ اللهِ وَانْظُرْ حالَةً * صِرْنا لَها تَدْعو إِلى الْإِشْفاقِ

أَحْلامُنا أَمْسَتْ بِضاعَةَ تاجِرٍ * جَهْرًا يَبيعُ الْعِرْضَ في الْأَسْواقِ

وَرَبيعُنا أَمْسى خَريفًا بائِسًا * وَتَشَوَّهَتْ أَحْلامُنا كَبُهاقِ

صِرْنا عَرايا دونَ أَحْلامٍ كَما * أَشْجارِ تينٍ دونَما أَوْراقِ

أَوْطانُنا أَمْسَتْ مَزارِعَ مَنْ بَغَوْا * كَمَزارِعِ التُّفّاحِ وَالدُّرّاقِ

نَهَبوا الْبِلادَ فَكَيْفَ يُرْجى مِنْهُمُ * تَطْبيقُ حَدِّ اللهِ في السَّراقِ؟!

عُرْفِيٌّ الْعَقْدُ الَّذي هُمْ أَعْلَنوا * عَقْدَ الْقِرانِ بِهِ بِدونِ صَداقِ

وَلَهُمْ عَلى الشَّعْبِ الْقَوامَةُ دونَما * فَضْلٍ وَلا شَرَفٍ وَلا إِنْفاقِ

وَزَواجُهُمْ، لا خُلْعَ فيهِ، مُؤَبَّدٌ * في الْحُلْمِ قَدْ نَحْظى بَصَكِّ طَلاقِ!

كَمْ عَنْدَليبٍ قَطَّعوا أَوْتارَهُ * فَنَشيدُنا حِكْرٌ عَلى النَّعّاقِ

كَمْ مِنْ أُسودٍ في السُّجونِ لِأَنَّها * كَفَرَتْ بِعَهْدِ الْكاذِبِ الْأَفّاقِ

وَالشَّعْبُ مُعْتاشٌ عَلى صَدَقاتِهِمْ * ما نالَ إِلّا فَضْلَةَ الْأَطْباقِ

وَقُصورُهُمْ بَهَتَتْ زَخارِفُ مَجْدِها * إِذْ شَوَّهوا بِالظُّلْمِ كُلَّ رِواقِ

قُمْ يا رَسولَ اللهِ وَانْظُرْ حالَنا * دَمْعُ الْأَسى يَهْمي عَلى أَوْراقي

الشّامُ ديسَ الْفُلُّ في رَوْضاتِها * بِاسْمِ الْحِفاظِ عَلى عَلا الْخَفّاقِ

أَمّا الْفُراتُ فَما يَزالُ مُقاوِمًا * مَنْ رامَ جَهْلًا كَسْرَ عَيْنِ عِراقي

وَالنّيلُ يَجْري كاتِمًا أَنْفاسَهُ * مِثْلَ الْمُصابِ بِقُحَّةٍ وَخُناقِ

عَدَنٌ جَرَتْ مِنْ تَحْتِها الْأَنْهارُ بِالدَّمِ لا بِشَهْدِ مَحَبَّةٍ وَوِفاقِ

أَوْرى الْمَجوسُ النّار فيها عِنْدَما * ظَنّوا بِحارَ الْعُرْبِ مَحْضَ بُصاقِ

سَيْفي يُصادِرُهُ أَخي وَعَدُوُّنا * في الْقُدْسِ شَدَّ إِلى الْحَديدِ وَثاقي

مَنْ ذا الَّذي يُقصي سَلاحَ مُقاوِمٍ * إِلّا الَّذي أَمْسى أَخا النَّهّاقِ؟!

فَبَنو الْأَفاعي لَيْسَ يُؤْمَنُ غَدْرُهُمْ * كَمْ بادَروا الْأَطْفالَ بِالْإِحْراقِ

كَمْ جُعْبَةٍ قَدْ أَفْرَغوا في ظَهْرِ مَنْ * هُوَ ساجِدُ فَأَطالَ في الْإِطْراقِ

كَمْ آهَةٍ في اللَّيْلِ قَدَّتْ عَتْمَهَ * مِنْ قَلْبِ مَكْلومٍ وَروحِ مُعاقِ

كَمْ أَغْرَقَتْ أَحْلامَنا دَوّامَةٌ * لَمْ تَنْجُ لَوْ رُؤْيا مِنَ الْإِغْراقِ

كَمْ يَسْكَرُ الْمُحْتَلُّ في وَطَنِ الْبَها * بَدَمٍ عَلى أَرْضِ السَّلامِ مُراقِ

وَالْمَسْجِدُ الْأَقْصى يُؤَذِّنُ باكِيًا * (اللهُ أَكْبَرُ) مِنْ خَنا الْأَفّاقِ

وَالْمُسْلِمونَ جَميعُهُمْ في غَفْلَةٍ * فَكَأَنَّما الْأَقْصى بِواقِ الْواقِ!

كَمْ حارَ عَقْلي بَيْنَ أُمٍّ زَغْرَدَتْ * وَأَبِ الشَّهيدِ بِدَمْعِهِ الْمُهْراقِ

مَنْ مِنْهُما سَيُصَدِّقُ الْقَلَمُ الَّذي * ما زالَ يَبْحَثُ عَنْ سَنا مِصْداقِ

وَصّى الشَّهيدُ وَقالَ: يا قَوْمِ احْذَروا * مِنْ آل سِلْمٍ خادِعٍ بَرّاقِ

صُهْيونُ لَمْ يَجْنَحْ لِسَلْمٍ فَاجْنَحوا * يا سادَتي الثُّوّارَ لِلْأَنْفاقِ

الظهران، 4.1.2015
عمان، 15/16.10.2015
منقحة، 23.12.2015

 

 

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here