لطالما تساءلنا، هل مجتمعنا مجتمع قارئ؟ والصواب أن نتساءل: هل مجتمعنا ذواق..؟ بحيث لا تكمن القراءة الجيدة إلا بذوق سليم، وإلا كيف تفتح شهية القراءة دونما إحساس مسبق بجوع و ظمأ شديدين لها؟
وهنا ننتقل للسؤال الأهم:
- هل مجتمعنا مجتمع حساس؟
بالأمس القريب، كانت المجتمعات تجتمع على فكرة واحدة من خلال الإحساس بالانتماء لها، قضية القومية العربية كانت من أبرز القضايا، وإن قلت وسائل التواصل وقتذاك، ولعبت المنشورات الورقية دورا هاما في توحد مجموعات على أنماط مختلفة، مقابل التشتت الراهن بالرغم من تقدم طرق التواصل، من هنا يفرض السؤال نفسه: هل مجتمعات الأمس أقرأ من مجتمعات اليوم؟
منطقيا، وعين العقل يقول بأنه مع توفر إمكانات النشر والتوزيع السريع، سواء عبر الفضائيات أم عبر شبكات التواصل الاجتماعي، من الغباء جعل قلة القراءة فرسا نمتطيه كلما صعب علينا ترويضه، ناسين مربطه..
ومربط الفرس هو الشعور، وملكة الإحساس بالغير لا تدرس أو تصنع وإنما هي عن فطرة تولد مع صاحبها، عن فراسة تقييم الإنسان.
كان التفاعل مع القضايا العربية أكثر من وقتنا هذا، بالرغم من أن شبكات التواصل قربت المسافات والأخبار، لا لأن من سبقنا أقرؤنا، ولكن لأنهم أقرب للشعور بالآخر منا..
ونتساءل من جديد: كيف نتوقع من إنسان لا يشعر بأخيه الإنسان أن يحس القراءة؟ وهو لا يطيق أصلا قراءة أخباره وأشعاره و قصصه..!!
حينما ينعدم الاهتمام بالشعور، ينعدم الذوق، وبالتالي تقل القراءة تدريجيا عن كل ما يرتبط بالقضايا، إلى أن تصبح قراءة نظرية جامدة.
في نظري لا تصلح نظرية بول بارت التي تقول بقتل المؤلف في الأدب العربي. لأن الحداثة بكل بساطة تتجدد من الجذور، لا باستيرادها من الغرب، ولأن هذا الأخير أحس بأخيه الإنسان فقتل المؤلف باعتباره واحد للانتقال لتعدد القراءات..
هب أننا عدمنا المؤلف العربي بدلا أن نصغي لما يود إيصاله بصفته حساس بالدرجة الأولى، ماذا سننتظر من قارئ معدم الحس والذوق ليضيفه للنص؟
لا شيء.
منطقيا، إما أن يخرج النص نهائيا من قيمته، أو يقتل صاحبه بوضع نصوصه في سلة المهملات.