Home Slider site مفهومَا الحرية والتنمية في الدورة 54 من المقهى الأدبي الأوروعربي – فكري...
امتدادا لما يكرسه واقعه الفكري والأدبي والمعرفي، واستمرارا في نهجه القائم على تأسيس فضاء يسَع كل العقول النيرة والاختلاف البناء والتواصل الإيجابي، نظم المقهى الأدبي الأوروعربي في بروكسيل دورته ٥٤ يومه السبت ١ فبراير ٢٠٢٠ بمقره المعهود، حيث كان شعار هذا الامتداد والاستمرار تحت عنوان: “إشكالية التنمية والحرية”، كموضوع وكنقاش تطرحه محاضِرة الدورة الأستاذة نعيمة العبدلاوي.
يعتبر موضوع إشكالية التنمية والحرية من بين نقاشات الفكر المعاصر، ومن أهم المواضيع التي تَطرح أشْكال الترابط وأهمية الأدوار المتبادلة بغض النظر عن معنى كل مفهوم بشكل مستقل، وهي -الأهمية- ذاتها التي جعلت مداخلة الأستاذة نعيمة العبدلاوي تناقش الموضوع بنظرة علمية، اقتصادية واجتماعية، من خلال ما يبرزه العالم الهندي “أمارتيا صن” في كتابه “التنمية حرية”، وما ميَّز أطروحته من تجارب أكاديمية وفكرية، حيث أن المحيط البئيس الذي عاشه وشكل تأثيرا كبيرا في حياته إلى جانب تأثره بنظرية العدل عند جون رولز، كان من بين تحديات العالم الهندي لوضع أطروحته “التنمية حرية”، التي وظفتها المحاضِرة لجعلها مدخلا وأرضية للنقاش، تبرز من خلالها بالفعل إشكالية التنمية والحرية.
في قراءتها لأطروحة “أمارتيا صن” الذي يَعتبر الحرية هي الغاية والوسيلة بحد ذاتها، والقائمة على حريات جوهرية تتلخص في خمس حريات:(الحرية السياسية، التسهيلات الاقتصادية، الفرص الاجتماعية، الشفافية، الأمن والحماية)، أكدت الأستاذة نعيمة العبدلاوي من خلال فتح بعض الأقواس على تبيان مدى التأثيرات التي تأَثرت بها أطروحة الاقتصادي “صن”، خصوصا ما يتعلق بالعالم الثالث، مع التذكير ببعض النماذج العربية التي تعرف إشكالية الحريات الجوهرية بالفعل، والتي تحدث عنها العالم الهندي خاصة الحرية السياسية كونها -حسب اأطروحته- الأساس الذي يُنمِّي القدرات الفردية التي تأخذ أشكالا معينة، حسب الإمكانيات والوسائل المتوفرة للوصول إلى الاختيار الاجتماعي (القرار)، من أجل نموذج تنموي يحقق الأمن والحماية حسب ما يميز هذه المجتمعات، من خلال الإمكانيات والوسائل، وليس ما تتميز به كذوات بشرية قائمة على أصل واحد هو الأصل الإنساني.
إن إبراز مفهوم الديمقراطية في أطروحة “أمارتيا” وإعطاء للحريات بعدا أداتيا، جعل الكاتبة نعيمة العبدلاوي تؤكد في مداخلتها على أهمية الديمقراطية التشاركية والتعددية من أجل الارتقاء بالمجتمعات، مع تأكيدها على أن اعتبار العالم الهندي ليبراليا ورأسماليا لا يجرده كونه كان من أصحاب الدعوة إلى التحاور، والمشاركة عبر نقاشات اجتماعية تمتلك الحرية في بعدها الأداتية والجوهرية، تؤسس وتشارك في بلورة سياسات اقتصادية قائمة على الحرية السياسية، وهو النقاش ذاته الذي جعلته الأستاذة مفتوحا خلال تساؤلات وتدخلات الحاضرين، حيث أعطت هذه الأخيرة للموضوع أهمية كبيرة عبر تساؤلات واقعية، قابلتها إيجابات أكثر واقعية للأستاذة نعيمة العبدلاوي، وهي الإيجابات التي كانت مسك ختام الجزء الأول من هذه الأمسية الفكرية الأدبية.
فيما كان الختام العام لوقائع الدورة ٥٤ للمقهى الأدبي الأوروعربي في بروكسل على إيقاع الأمسية الشعرية التي أخذت الجميع مأخذ الحروف والكلمات، فكان لمدح الرسول عليه الصلاة والسلام مسك لِلأَرواح، ولإبداعات الحنين والشوق والإهداء مسك الختام، بمشاركة أبرز شعراء وشاعرات المهجر داخل فضاء أدبي ومعرفي، استطاع من خلال متابعيه أن يكون وعاء وقراءة للأفكار والمواضيع الهامة والآنية، ولم لا نجعل وفق مبدأ التَّفَكر من قراءة الدورة ٥٤، مدخلا لقراءات ونقاشات متعددة تكون لنا مقاربات عن إشكالية التنمية والحرية..