“صدور رواية منارة الموت للكاتبة المقدسية هناء عبيد” :
عن دار فضاءات للنشر صدرت هذا العام 2022 رواية “منارة الموت” للكاتبة المقدسية هناء عبيد؛
الرواية تقع في 237 صفحة من الحجم المتوسط، وهي الرواية الثانية للكاتبة بعد روايتها “هناك في شيكاغو” الصادرة عام 2020.
تتحدث الرواية عن آدم؛ الصبيّ البائس الّذي يحلم أن يتبدّل واقعه المرير إلى واقع أجمل، وأن يحنّ عليه القدر يومًا، ليتخلّص من سخرية الصّبية على إعاقته، لكن الأقدار المفجعة تدوس أحلامه في قرية الأحزان حيث مسقط رأسه.
كان ينتظر أن تفتح سماء المدينة له ذراعيها؛ كي يخترق السّحب المحمّلة بالظّلم، ليرسم طريقه بالأمل مع رفيقة طفولته هانا.
يجتاز النّفق ليجد بصيص النّور مع جورج رفيق الفرح والمأساة.
تتعثّر رحلة الصّراع الإنسانيّ لتصطدم بالنفوس القميئة، والوحوش الّتي تنتشر في كلِّ مكان، تلك النفوس الّتي تريد خنق الأحلام، واغتيال بسمة الطّفل الرّضيع، وقتل بسمة الأمّ حين سماعها صرخة الحياة الأولى.
إنّها رحلة الأمل الّتي تغوص في معركة إنسانيّة في محاولة لشقّ سبل الحياة عبر أشواك أرض متصحّرة من الأنانيّة والظّلم والبطش، حيث الأقنعة الّتي تتمزّق واحدة تلو الأخرى، لتكشف عن أنياب ذئاب بشريّة تتلذّذ بشرب دماء الأبرياء، فهل تستطيع هذه المعركة أن تستمرّ قدمًا ، فتقمع الظّلم، وتنشر الرّسالة الإنسانية الّتي تصبو إلى سيادة العدل على الأرض؟
أيهما سينتصر، ابتسامة الحبّ، أم رصاصة الكراهية ؟…
وتقول الناقدة نهى عاصم في قراءتها للرواية:
غلاف روايتنا عبارة عن فضاء واسع مكتوب فيه اسم الأديبة واسم العمل، تحلق فيه النوارس فوق سطح بحر مليء بالغيوم.. وعلى اليابسة فتى يحمل فوق كتفه متاعه كمن يحمل همومه الثقيلة، ويلوح بيمناه ولا ندري لمن يلوح هل لمستقبله أم لماضيه..
وفي الغلاف من الخلف كلمات تحمل الغموض والتشويق عن:”آدم الصبي الذي تلامس يداه السماء حينًا، وينغمر وجهه بالوحل حينًا آخر”
لتنتهي الكلمات ب: “أيهما سينتصر، ابتسامة الحب، أم رصاصة الكراهية؟!”.
إهداء رقيق يليق بالكاتبة تدين فيه بالولاء والحب والمعروف والجميل للكثيرين أولهم والديها ..
آدم طفل ولد باختلاف في طول ساقيه فكان يختبئ من أقرانه في طريقه إلى المدرسة كي لا ينعتونه بأقبح الكلمات، أو يقذفونه بالحجارة..
فيتمنى لو يستطيع الانتقام منهم عندما يكبر..
ولكن القهر كما يتكفل به فهو يتكفل بوالديه كذلك وكل ذنبهما الفقر وقلة الحيلة..
مسكين هذا الصبي تأرجح بين الأحزان والمآسي بساقين..
نشأ آدم في قرية الزهور، قرية ظالم أهلها وكما تقول الأديبة:
“يبدو أن كل نزيه في هذه القرية سيعيش خاسرًا مدى الحياة، فإما أن يرضخ للقوي، وإما أن تطرحه الكبرياء أرضًا”.
يذهب آدم بعيدًا عن أسرته وأخته الصغيرة للعمل في مصنع الأخوان كاربنتر، المصنع الذي كان يمنحهم الصدقات-والتي يسرق معظمها المسؤولون بالحي- وهو يحلم بالكثير الذي يتمنى تقديمه لأسرته ولهانا جارته ورفيقة عمره ودراسته وحبيبته.. المصنع الذي كان عليه أن ينحني لصورة صاحبه كل يوم في الصباح هو ورفاقه..
وهناك يتعرف على زملاء غرفة نومه الثلاثة ويعرف حكاياتهم وتتوالى عليه صدمات الحياة ليدرك كم سذاجته في كثير من الأشياء..
تشير الكاتبة بإشارات واضحة عن اضطهاد المرأة الفقيرة من أسرتها وكأن الفقر لا يكفيها، فتضطهد من أب ثم من زوج وتعيش طوال العمر تحت وطأة القهر ومذلة الحرمان :
“هي تعلم تمامًا أن اعتراضها يعني ركلًا أو حبسًا في قن الدجاج أو لكمة على وجهها. لقد أدركت كل هذه النتائج من خلال تجربة والدتها التي لم يستقر لها سن، ولم يستطع الثبات في مكانه”.
كما تفرد جزءًا هامًا عن خضوع آدم لسطوة عالم الفيس بوك، فتوجه رسالة تحذير خفية لكل من قد يقع تحت سطوته وتحدثنا عن أشياء كثيرة يقترفها من يدخله..
أسماء القرى والمدن لدى هناء رمزية، قرية الزهور، مدينة الأنوار، شارع المحبة..
ولم تكشف لنا عن أي بلد عربية يدور الحوار وإن كنا نستطيع وضع كافة بلادنا مكانًا لبلد روايتها إذ تقول:
“هذا هو حال البلاد التي لا تحكمها القوانين الصارمة، كل يريد أن يتخطى القانون، فهو يعلم أنه لن يأخذ حقه إلا بالصراع، أخذ حقوق الناس أصبح شطارة، واتباع القوانين غباء، ذلك أن القانون لا يطبق على الجميع بالتساوي”.
الكاتبة ذات حس مرهف وكلمات جميلة هادفة مثل:
“زرع الوالدين الأمل في قلوب أطفالهما وإن كان كذبًا، أمر لا ينتقده أحد حتى وإن شوه ذلك أرواحهم مستقبلًا”.
“خشيت أن يتلوث البلاط اللامع من انعكاس وجهي عليه”.
“مسكين أبي، أسد علينا، وفأر أمام الآخرين”
“الفقر أحيانًا يصنع القلب الدافئ، وما إن طار بجناحي الثراء حتى ملأ السواد باطنه”.
“ضحكت كثيرًا بيني وبين نفسي حينما تذكرت عبارة بعض الفلاسفة: إن المال لا يصنع السعادة، إذن ما هي السعادة أيها الفلاسفة؟ جيبي المخروم أم حذائي المثقوب؟”.
كما أنها تتميز بخفة الدم فها هو البطل يستهجن اسم ياسمين على خطيبة صديقه في العمل جورج، فلكل نصيب من اسمه ولكنها ليس لها أي نصيب منه بل يليق بها الحنظل المر ولا تلبث أن تعتذر للحنظل عن ظلمها له، فمنه يصنع الدواء..
ومع القراءة تتكشف لنا أشياء جميلة رغم المآسي، كما تتكشف لنا ما هي منارة الموت، والمعنى الخفي في اسم الرواية.. فندرك أن اختياره كان موفقًا وذكيًا من قبل الكاتبة..