حفريات في الذاكرة : “د” __ ذ. سمير البوحجاري

0
223

“حفريات في الذاكرة : (د) ” :

 

وإني عشقت (د) كما لم أعشق أحدا غيرها، وإني لعشقتها حد القداسة بل وإن تلك القداسة انسحبت على ملابسها وكل متعلقاتها وشؤونها الخاصة وتفاصيل تفاصيلها. وإني إلى اليوم لقادر على أن أستظهر كتلميذ نجيب يستظهر سورة الإخلاص أو محفوظة من المحفوظات، تنانيرَها المختلفة وفساتينها المزركشة أو ذات اللون الواحد، ومعاطفها الوقورة وأحذيتها وصنادلها الشهية الأنيقة، وأقراطها ذات الأحجام والأشكال المختلفة وخاصة منها ذانك القرطين المستديرين اللذين يقضمان نصف وجنتيها السمراوتين الناعمتين، وتلك المحفظة المستطيلة الزرقاء التي لطالما استقرت على الأرض بين ركبتيها إن تحدثت أو همّت بحديث، ومظلاتها؛ ولكم وددت أن أستحيل إحداها أتبلل فداء لها، وتلك العلكة الوردية التي لم يخلق مثلها في البلاد، وذاك العطر الأسطوري الذي ما فتئت أتنفسه عشقا إلى اليوم…

 

وإن (د) في يوم أثارت حفيظتي لما قصّت شعرها دون استشارتي أنا الذي أعتبرها شأنا عاما وخاصا بل وبعضا من أبعاضي فكيف تقرر (د) مصيرا خطيرا كذاك بمنأى عني ودون إشراك ذائقتي. وإنه قد عنّ لي أن أعاتبها عتاب المحب الولهان برفق ولين وتذلل وخنوع وخشوع واحترام المرؤوس لرئيسه. كيف بالله عليك تستبدلين الذي هو أدنى بالذي هو خير يا (د)؟! كيف تعدمين تلك الخصلات المتهادية المشدودة بمشبك إلى الخلف كمعزوفة رومانسية.. إني لأراك من الضالين.

وأينها تلك الخصلات المقصوصة يا (د)، أينها كي أقايضها بكل ثروتي؟!.. وإنها لجديرة بذلك، وإني لجدير بأن أحفظها كما يحفظ المتحف درره وكنوزه.

 

إنني أحببت هيئتك الأولى وعليها وددت لو تثبتين يا (د)، أنا العريق الذي لا يستهويني التجديد البتة.. أنا الذي أوثر أم كلثوم وحليم وفيروز ونجاة وفريد وعبد الهادي وعبد الوهاب وسميرةَ ونعيمةَ على غيرهم من (مطربي) جيلي.. أنا الذي إن صادفت فيلما رومانسيا مصريا لمفضلي محمود ياسين آثرته على غيره، أنا الذي أعيد سماع وترتيل تترات مسلسلات “أرابيسك” و”بوابة الحلواني” و”ريا وسكينة” إلى اليوم. أنا الذي أنصت بخشوع لقيثارة دايسكي في ذاك الهدوء الذي يسبق العاصفة. أنا الذي ما فتئت أذكر بالاسم والصفة من درّسني في الابتدائي ولا أذكر نظراءهم للمراحل التي تلتها. وأنا الذي أحفظ عن ظهر قلب تشكيل بارصا كرويف وأتعثر في التشكيل الحالي…

وإنها ليست ميزة أو مدعاة للتفاخر وإنما توصيف حال، فكيف والحالة هذه تعاكسين من كانت تلك طبائعه وأحواله؟!.

كيف بالله عليك يا (د)؟! .

 

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here