لوحة أثرية -قصة قصيرة- __ ذ. علي عبدوس

0
235

 

“لوحة أثرية” :

عثرتُ صدفة على لوحة أثرية دون هوية أو تاريخ في سوق “الخوردة”، اشتريتها بدرهمين إطارها مجهول، وخلفيتها سوداء متلألئة بأضواء رقيقة خافتة مصدرها غير واضح…
في أعلى الصورة مزهريتان: الأولى متوسطة الحجم من فخار بني باهت، يُزينها تِنين فَغَرَ فمه ليبتلع كائنا خياليا لا وَجْهَ له…
تغطي أعلاها أوراق خضراء منبسطة تعانق بعضها، دون تَسَاوٍ لأنها خُمَاسِية، نَمَا وسطها غصن رقيق انحنى بعيدا عنها إلى اليسار، أنجب وردة خُمَاسِيَّة الأوراق أيضا، بيضاء ناصعة فائضة تتوسطها لَطَخاتٌ أرجوانية مثيرة تشبه طفلة أقعت وسطها…
بجوارها مزهرية أصغر حجما، موشاة بفراشات ملونة بألوان المزهرية الأولى…
وُضعتا على صندوق من الأَبْنوس يشبه صندوق “علي بابا” أو صناديق الباحثين عن الكنوز في أعماق البحار.
المثير أنه مغلق بقُفْل متوسط الحجم وكأنه من لُجَيْن، مزين بنقوش غير مقروءة، فيه مفتاح من المادة نفسها، تتدلى منه سلسلة بلون الذهب…
وُضِع الصندوق وفوقه المزهريتان على مِصْطَبة مقسمة بشكل هندسي بقضبان من حديد تشبهتْ لي بنوافذ السجن…
قضيت معظم ليليتي تلك أتأملها، أقرأها، وأستمتع متعة زائدة…
كنت أنتظر لقاء في الصباح سيغير مجرى حياتي العاطفية…
راودتني فكرة “اللوحة” هدية لتلك السيدة، وتصورت درجة فرحها بهديتي، وهي الفنانة المتشبعة بروح الرسم والنحت والمسرح…
التقينا في المكان والزمان المحددين، رَقَصَ الجامدُ والحيُّ، غَمَرَتْنا نشوة اللقاء بعد غياب طويل…
ناقشنا بمحبة وسرور مواضيع فنية شتى، أُقَبِّلُ من حين لآخر راحتَها، وأنظر في عينيها تعبيرا عن هُيامي…
وهي تتمايل كفراشة المزهرية…
فاجأتُها باللوحة، وقد غلفتها بورق الهدايا، يطير حَمَامُه…
انتزعتِ الغلافَ، وعيناها تشعان دون أن تفارقا المفتاح والسلسلة الذهبية، حدقتْ في اللوحة باهتمام، وأنا انتظر رد فعلها.
حملتِ المزهريةَ بهدوء وحذر، وضعتْها على الطاولة، قطفتِ الوردةَ البِكْر، استنشقتْها بشبقية، أغمضتْ عينيها مزهوة، أمسكتْها برهة بين أناملها تتأملها…
فجأة شرعت تَقْضِم أوراقها وتلتهمها بِنَهَم، نظرتْ إلي نظرة مريبة غريبة…
أدارت مفتاح الصندوق، فتحت بابه، اشْرَأَبَّتْ داخله، تناولت من محتوياته -التي لم تسمح لي برِؤيتها -عقدا مُتْرَبًا كالتِّبْرِ؛ وضعته في جيدها…
أشارت إلي آمرة، وقد تغيرت سُحْنتها: “اُدْخُلْ”.
دخلتُ الصندوق الأثري قَسْرا، أغلقتْ علي بابه بالمفتاح الذهبي، ما زلت مقيما فيه إقامة إجبارية، مضغوطا في هذه المساحة الضيقة، محلقا بِعٌسْر كالطائر المُبَلَّل في فراغ سَرْمَدي منذ عقود…

15/03/2022

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here