كلما قرأت سطرا من سيرة محمد عليه الصلاة والسلام كلما زادت قناعتي بأن أعظم ثورة عرفتها الإنسانية هي يوم رجوع النبي وصحبه إلى مكة لفتحها. أعتقد أن الرسول عليه الصلاة والسلام هو القائد الوحيد الذي استطاع تحقيق مطالب اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية في ثورة واحدة، واستطاع تفكيك التركيبة المجتمعية وإعادة هيكلتها دون هدم المجتمع، والدخول في حرب شبه أهلية ووقفها بأقل الأضرار وسط نظام قبائلي معقد. كما استطاع إسقاط المنظومة الاقتصادية الربوية لقريش وتعويضها بأخرى دون التأثير على موقع قريش كقوة اقتصادية إقليمية.
تقنيا، دخول المسلمين إلى مكة كان بين الثورة الشعبية والانتصار العسكري، فالخطاب النبوي أمام الكعبة كان كبيان شعبي ثوري، والدخول رفقة كتائب الفرسان والمقاتلين والمطالبة بتنحي السلطة القائمة وتسليم مفاتيح الكعبة مؤقتا كان بمثابة فتح عسكري، فحافظ على صفة الثائر وهبة الحاكم في نفس اللحظة..
وأكثر ما أبهرني في طريقة الرسول عليه الصلاة والسلام في تبليغ الرسالة هو تمكنه من تقديم الإسلام كمشروع مجتمعي وفكري لفئات تعيش أوضاعا مختلفة، من فئة العبيد والمقهورين الذين وجدوا في الإسلام حلا لأوضاعهم اليومية والمعيشية، إلى فئة النخب الفكرية والشعراء وقيادات القبائل التي وجدت في الإسلام مشروعا سوسيو-سياسيا قادرا على إيصالها إلى الرقي والتحضر وبناء دولة عصرية، فاستطاع هذا القائد العظيم أن يقود شعبا متحمسا ونخبة مقتنعة بمشروعه.
بعيدا عن العاطفة الدينية، محمد صلى الله عليه وسلم كان قائدا عبقريا!!