رَأْيٌ فِي السَّمَاع ــ ذ. محمد الإدريسي

0
664

لَيْسَ مَنْ رَأَى كَمَنْ سَمِع.
وَالْأحْرَى أنْ يُقَالَ: ليسَ مَنْ سَمِعَ كَمَنْ رَأَى، وذلك بِعَدِّ مَعْنَى ليس= laisser(fr)=less(eng) تَرْكاً ونَفياً للقيمة، إذْ لا يَسْتَقيم تفضيلُ السّمْع على البَصَر، أيْ: (الرّعْد على البَرْق).
ومدارُ قولِنا يَرُومُ اقْتراحَ كوْنِ المشبَّه به عُمدةَ أركانِ التّشبيهِ وما شابَهَهُ مِن بَلاغيات (مجاز، استعارة، كنايَة…..) ألَا تَرَى أنّ المُتَغَزّلَ في عَيْنَيْنِ برّاقَتَين، يَحْسَبُهُمَا لُؤلُؤتين، لا يَرضَى دون اللّآلِئِ شَبِيها…؟ فالعيْنانِ موضوعُ تشبيهٍ واحد، والمُشبَّهاتُ به لا تَنْحَصِر. وحينَ نَقولُ: (زَيْدٌ كَعَمْرٍو) فإنّنا نَعْنِي اشْتِرَاكَهُما في الصّفَاتِ جَميعِهَا، أو في أغلَبِها على الأقلّ. أمّا إنْ قُلْنَا: (ليسَ زيدٌ كَعَمْرٍو) فإنّنَا نَنْزَعُ أو نُنْقِصُ مِنْ زَيْدٍ ونَنْفِي عَنهُ بَعْضَ مَا فِي عَمْرو. فيَكُونُ بذلك عَمرٌو أفْضلَ مِنْ زَيْد.
إلّا أنّ القُرآنَ قدّمَ السّمعَ على البَصَر في أغْلب الآيات التي وَرَدَا فيها مُجتمِعَيْن، ومنها قوله تعالى (المومنون 78): “وهو الذي أنشأ لكم السّمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون”، وقوله جَلّ قائلا (السّجدة 9): “ثمّ سوّاه ونفخ فيه من روحه وجعلَ لكم السّمع والأبصارَ والأفئدةَ قَليلا ما تشكرون”
وغيرها من الآيات الشبيهة.
ولا شُبْهَةَ عنْدي في أنّ ما يَزَعُ الْأَفئِدَةَ أرْوَعُ مِمّا يَسَعُ الأبْصَارَ أَوْ يَقِرُ الأسماع، فيَكُونُ أقَلُّ الْفُؤَادِ (الإيمان) أدْعَى إلى الشُّكر مِنَ الْإبْصارِ، بَلْهَ السّمَاع.
كما أفاد أحد أصحابنا أنه رُوِيَ عن الرّسول (ص) قوله: “ليس الخَبر كالمعاينة”
وَمَا اقْتَبَسْنَا مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى، مُسْتَغْفِرِينَ، إِلَّا ضَرْباً لِأُولَئِكَ الْأَمْثَالْ.

“فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ: رَبِّ إِنّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى، وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ، وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالُانْثَى، وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ ….” آل عمران: 36.
وَاعْتبَاراً لِكَوْنِ “لَيْسَ” أدَاةَ نَفْيٍ، لَا تَفَاضُلٍ، كَمَا فِي اللَّاحِقَةِ الإنجْليزيّة less. تَرَجَّحَ لَدَيْنَا انْمِيَازُ الذّكَرِ عَنِ الُانْثَى لَا امْتِيَازُهُ عَلَيْها، بَلْ قَدْ يَنْعَكِسُ فَيُقَالُ مَثَلاً: لَيْسَ الْمُشَبَّهُ كَالْمُشَبَّهِ بِهِ، أيْ دُونَهُ، أوْ يَنْقُصُهُ فِي بَعْضِ أوْجُهِ الشّبَهِ، الأرْبَعِينَ فَوْقَ الشّبَعِ.
وعَوْداً، أُشِيدُ بكون جُمْلَة: “ضَرْباً لأولئك الأمثال” تَحْتَمِلُ وَجْهَيْن…. ضَرْباً لأولئك الأمثالَ، أي ضربُ الأمثال لَهُمْ، وضَرْباً لأولائكَ الأمْثَالِ، أيْ ضَرْبُهُمْ وأمثالَهُمْ.

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here