يزعم قائد الحرس الثوري الإيراني، محمد علي جعفري، أن حراك الشعب الإيراني قد انتهى ويصف خروجه للشارع ومطالبته بالعدالة الاجتماعية كمطلب أول له قبل أن يرفع من سقفه إلى تنحي المرشد والرئيس الصوري الذي لا يعدو أن يكون دمية بين يديه بـ”نهاية الفتنة”، وشدد على أن “أصل المطالب الاجتماعية انتهت بعد تبني الحكومة لموقف مراجعة مطالب المتظاهرين الأوائل”، معتبرا أن “ما تبقى في الشارع هو حالة غوغائية تهدف إلى التأزيم” لا غير.
غير أن الواقع على الأرض يثبت عكس ذلك، فالآلاف المعتصمة بالشوارع وخاصة في عصر الميديا وشبكات التواصل الاجتماعية -التي تحاول قطعها أجهزة أمن الملالي- تنقل الصوت والصورة من مختلف مدن إيران بل ومن عاصمتها طهران معززة موقف الشعب التواق للحرية والمستمر في ثورته، والتي لم تردعها وعود النظام الكاذبة ولا هراواته المسعورة، ولا رصاصه الحي الذي يجابه به البطون الجائعة التي ثارت من أجل لقمة العيش وبعض من الكرامة.
لم يحرق المتظاهرون صور علي خامنائي فقط والرئيس حسن روحاني (المنتخب شرعيا)، بل تجاوزوها إلى إحراق صورةقائد الثورة الإيراني الخميني، وبعد إحراق صورته هانت كل الصور بعده فتم إحراق صور عملاء النظام الأجانب وعلى رأسها صورة بشار الأسد في إشارة واضحة إلى رفض سياسة الدولة الرسمية لتدخلها في شؤون دول الجوار وخيارات شعوبها في تقرير مصيرها، واختيار حكامها أو تنصيبهم أو خلعهم.
حسم الثورة الإيرانية لسياستها الخارجية بعدم التدخل وحسن الجوار جلي أنه قد جر عليها عصا التأديب منذ انطلاقتها وشدة الردع الذي اتسمت به حدة مواجهتها. ليس فقط من طرف قوات الأمن والجيش بل من طرف الحرس الثوري والباسيج، هذا فيما يخص الأجهزة الداخلية، أما فيما يخص الأيادي الخارجية فقد تم حشد كل الميليشيات التابعة للمرشد وقبضته الأمنية من حزب الله وجيش الحشد الشعبي وطلبة الحوزات العلمية والأقليات الشيعية العميلة لإيران المستقدمة من دول آسيا الوسطى خاصة من أفغانستان.
تركيز الثورة الإيرانية الأخيرة على الانكفاء على الوضع الداخلي وترك دول الجوار في حالها ونقل إيران لمعظم الميليشيات المرتبطة بها خاصة من العراق وسوريا واليمن، قد يكون الفرصة السانحة لهذه الدول خاصة سوريا لحسم موقفها مع الفرقة وتوحيد الصف للإجهاز على النظام، وفرصة لليمنيين لتحجيم الحوثيين وإيقاف سيطرتهم على الأرض في انتظار توفر الظروف لإعادتهم إلى الجحر الذي خرجوا منه أول أمرهم.
القول بأن توقيت الثورة الإيرانية غير مناسب لما لذلك من انعكاس سيء على القضية الفلسطينية خاصة في هذا الظرف العصيب الذي اختاره الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإعلان مدينة القدس عاصمة للكيان الصهيوني المحتل، قول يحاول أن يوهمنا بأن قدرات إيران كانت موجهة أصلا لتحرير القدس وفلسطين وهذا زعم افتضح أمره منذ زمن قديم، فلا فيلق القدس الذي تنطعت إيران بتأسيسه منذ ثورة الخميني أطلق رصاصة واحدة على العدو الصهيوني يوما، ولا حليفها النظام الأسدي المتاخم لهذا الكيان والمحتل جولانه أطلق رصاصة على العدو أو سمح بتأسيس جبهة مقاومة ضده انطلاقا من الجولان على غرار جنوب لبنان، ولا مقاومة حزب الله كانت أصلا من أجل تحرير الجنوب باعتباره أرضا لبنانية محتلة، بل باعتباره كان مشروع نواة الدولة العربية الشيعية الأولى التي احتلتها إسرائيل في طريقها لحصار بيروت لطرد منظمة التحرير التي كانت متحصنة فيها يومها بقيادة ياسر عرفات.
الثورة الإيرانية هي أخطر عملية جراحية قد تعرفها المنطقة بعد ثورة سوريا، وقد شاء الله إلا أن تتشابه أقدارهما فيجتمع طغيانهما في مزبلة تاريخ واحدة.
ويبقى السؤال: هل ستتدخل روسيا بوتين مرة أخرى بأسطولها الجوي لمحاولة إنقاذ نظام الملالي، وهل ستقوم الولايات المتحدة باختراع تنظيم إرهابي جديد على منوال القاعدة وداعش لخلط أوراق الثورة الإيرانية التي تلتزم بالسلمية حتى الآن؟
بكل تأكيد، فروسيا والولايات المتحدة لا يبدو أنهما تطوران آليات الحرب والسيطرة على مكتسبات الشعوب، خاصة وأن لكليهما ثأر مع المقاومة السنية في كل من أفغانستان والشيشان والصومال والعراق. أما التنظيم الإرهابي الذي سيقوم بدور القذارة مكانهما فقد تم تسريب اسمه منذ أكثر من عام وهو خراسان، سمِّه فيلقا أو جيشا كما شئت لا فرق، المتأكد منه أنه سيكون نسخة ألعن من كل ما سبقه من تنظيمات إرهابية، وقد نترحم يوم سيطرته على دماء المسلمين على أيام أبي بكر البغدادي وأسامة بن لادن !!!