الكتابة : من الألم إلى الإدمان __ دنيا بوجنان

0
56


الكتابة إدمان، مثلها مثل أي إدمان آخر، ميزة الكتابة، أنها تعالج، لا أعلم كيف يشعر المدمنون حال انتهائهم، لكني أعلم شعور من ينتهي من الكتابة، إنه يتقيأ السموم التي تفتك بقلبه، بطريقة لا يراه فيها أحد، الذي يكتب ينزف بصمت.
سؤال يراودني، لماذا يتعاطى المرء للإدمان؟

لأن المدمن في حاجة لشيء ما، ربما للغياب عن هذا العالم، كذلك المدمن على الكتابة، هو في حاجة إلى من يفهمه، مفكرته وقلمه، طالما سألت نفسي ما دافع الكتابة؟ عدت إلى ما ضيَ أتحرى الإجابة، فوجدت أن الألم كان دافعي، لا أذكر أني كتبت يوما في لحظة سعادة، ولكن في الألم كتبت مرارا، إن الذي يكتب يعالج نفسه من شيء ما. الكتابة تتطلب الكثير من الجرأة، فمن أَكْسَبَنِي هذه الجرأة يا ترى، تذكرت يوم أن قرأَت أمي خلسة ما كتبتُه عنها وعن خوفها من نظرات الناس، عن اتهامي للقبيلة بالهمجية والمجتمع بالمتخلف والعائلة بأنها القيد الأول لأبنائها، تذكرت الصفعة التي تلقيتها آنذاك، لازال ألمها يلسع خدي، حينها أقسمت لأمي أنني لن أتوقف عن الكتابة ولو مزقت أصابعي، أذكر يوم أن مزق جدي ما كتبته اشتياقا لأمي، فقال إما أن تكوني قريبة من أمك أو أن تدرسي، لا زلت أسمع صوت تمزيق الورق، كان قلب صغيرة في السادسة من عمرها من تمزق حينها، تعاطيت الكتابة وأنا أتعلم الحروف، أذكر حينما طلب منا معلم العربية كتابة إنشاء حول الصعوبات التي نواجهها في دراستنا، فكتبت “اشتياقي لأمي وبعدي عنها” فسخر مني هو وتلاميذ الصف، صوت ضحكاتهم يطن في مسمعي حتى الآن، ويسبب لي ألما. كل ما جعلني أكتب، كان ألما، كانت غصة، كانت كلمة جارحة تلقيتها، لم أستطع الرد بلساني، فرددت بقلمي.


يسألونني”ما الذي عشته، لتكتبي هكذا؟” السبب أن في قلبي كلام عالق، عانيت من الكلام الجارح، من البعد، من الاشتياق، من فراق من أخذهم الموت، ممن تصنعوا محبتي ثم رحلوا، كل ذلك جعلني أتألم في صمت دون أن يرى أحدهم ما بداخلي، كلهم كانو يرونني هادئة وبداخلي نهر من الألم يجري، أو كما يقولون(ضحوكية) وبداخلي صهريج دمع يفيض، أتظنون أن للكتابة سبب قوي، غصة واحدة عالقة في الحلق، كافية لجعل أحدهم يكتب مدى حياته.

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here