“أشواق تشرين” :
مجموعة شعرية للدكتورة روز اليوسف شعبان، ضمتها بين دفتي كتاب يقع في ١٥٧ صفحة من الحجم المتوسط، صدرت الطبعة الأولى منه عام ٢٠٢١ عن دار الهدى للنشر والتوزيع.
أهدت الشاعرة مجموعتها الشعرية أشواق تشرين إلى روح والدها، وقد كان إهداءً شفيفا، يحمل في طياته حبًّا عميقًا وشوقًا كبيرًا إلى والدها، تمنت فيه أن تصل كلماتها إليه في أعالي السماء.
كتب مقدمة المجموعة الكاتب والناقد الأستاذ شاكر فريد حسن، وقد كانت مقدمة شاعرية، وصف من خلالها حروف الشاعرة وروحها الشفافة بلغة متينة ثرية.
تبدأ المجموعة بقصيدة “أتوق إليك”، قصيدة تفعم بالرومانسية الرقيقة والكلمات الشفافة التي تدخل القلب دون استئذان، فهي كلمات بسيطة على السمع لكنها عميقة في المعنى والشاعرية والأحاسيس، لا يحفها الغموض الذي يصرف المتلقي عن شاعرية المعنى وأحاسيسه الرهيفة.
ثم تأتي قصيدتها الثانية “كيف جاءتني الأيائل”، لتوظف فيها الطبيعة وما فيها من مخلوقات جميلة ونباتات مبهجة لها وقعها على القلب، فلا أجمل من الأيائل لتكون منشودة بقصيدة أو فراشة تزهو بألوانها، ولا أبهج من النباتات كنبات زهر القندول، وثمرة الجميز والسنبلة وزهرة الياسمين.
وللفرح مساحته الشاسعة في قصيدتها “عندما عرفتك”، لتصف تلك البهجة التي تدخل قلوب العاشقين، لتجعل لهم البحر والسماء والهضاب فهي تتغنى لنا بينوع كروم العنب والتفاح ورقة الجداول في الصباح.
اما قصيدتها “أشواق تشرين” والتي اختارت عنوانها ليكون عنوان المجموعة، ففيه يتجلى الشوق الرقيق الذي يزهر قلب الشاعرة كما تزهر فضاء حديقتها، ويجاري الريح والغيم، كي يعود بعطر فؤاد الحبيب الأخضر، كلمات رومانسية عاشقة تبدد الليل المقفر، وتجدل من خلالها حبال الوجد بأشواق النعناع والحبق، وتنمقها بألوان العناب والزهر، كم هي شفيفة هذه الروح العاشقة التي تنتظر حضور الحبيب على أجنحة الألوان وعطر تشرين المزهر.
وليس للطوفان أن يغرق الشاعرة ففي حكاياها الخضراء نجاة تنبثق عن التحدي والنضال.
ولعل قصيدتها “لم أرحل”، هي قصيدة كل فلسطيني انغرزت جذوره في الأرض، فلو رحل الجسد وامتدت المسافات لن تغيب رائحة التراب بعد المطر الأول، فالأنف سيظل عابقًا بشذى خيرات الأرض، والذاكرة مشبعة بقصص البطولة المروية في الديوان والمحضر، والنسائم ستظل رفيقة كل مبعد ليشتمّ من خلالها رائحة اللوز والبرتقال والياسمين والجلنار.
وللحب ركن خاص في قصيدتها “أحبك لعمري أكثر”، لتنقلنا برومانسية دافئة إلى مشاعر العاشق الذي يتلو أمامها عذب الكلام ليجاري فيه قيسًا وعنترة.
أما الكوفية رمز الكفاح الفلسطيني فقد كان لها نصيب حين تغنت بها من خلال قصيدتها “أربع وردات” فكانت الكوفية إحدى ورداتها الأربع.
وللتاريخ المجيد العريق قصائده، لتينع الشام بعطرها ولتروي ابنة النيل حكاية في أرض الحجاز، إنها الروح العاشقة التي تضم الحضارات بكلمات عاشقة.
وبين حين وآخر تتذكر معاناة أهل الأرض المسلوبة لتطلب من الوقت أن يعطينا مهلة لتنفس الصعداء، لنبحث عن الإنسان فينا.
ولم تنس في قصائدها حكايا الجدة تلك التي تسترجع الدفء كلما طرق الروح الحنين.
وفي قصيدتها “لا مكان” تسترجع الأمل في الأماكن التي تتسع لأزهار الياسمين والبنفسج والزنابق والرياحين، فلا مكان هنا للقذائف والنيران ولا للصواريخ والحجارة والغربان. وتتابع ذلك الأمل في قصيدتها “لم تغب الشمس”، لتقول لنا أن جحافل الشمس لم تزحف نحو المغيب، فضياؤها يحزم أملا لكل حبيبة وحبيبة، وضياؤها سيشرق ويحضن الأرض ويهمس لها اصحي، ثوري! انتفضي! لملمي بذورك وانتصبي من جديد.
وللقدس مكانتها الرفيعة في فكر الشاعرة كما كل فلسطيني عاشق مخلص وفيّ، إذ تذكرها في قصيدتها الأخيرة في المجموعة والمعنونة “يبوس” التي هي القدس كما عرفتها في هامش الصفحة،
ففي راحتيها تحملها الرياح أيقونة للميلاد، سبحة للصلاة وقمرًا يضيء أنجم السهر.
تظهر لنا من خلال هذه المجموعة الشعرية رقة الشاعرة وروحها الهادئة المتسامحة وانتمائها ووفائها للعروبة ولفلسطين، القصائد جاءت بلغة شاعرية رقيقة فصيحة متينة وموسيقى عذبة هادئة مريحة للنفس، وتبين مدى عمق ورهافة إحساس الدكتورة روز وشاعريتها، كما توضح مدى ثقافتها.
المجموعة تعتبر قيمة شعرية ثرية تضاف إلى رفوف المكتبة العربية.