الموت البطيء
اشتد ألمه اشتدادا، فلم يعد يُسمع له سوى صوت أنين منبعث من أعماق جسده النحيل، ظل يمد يديه ليصل
إلى علبة الدواء لكن بلا جدوى، وفي كل مرة ترتطم فيها أطراف أصابعه بأرجل الطاولة، فيشعر أن علبة الدواء
تهرب منه وتختبئ. يئس من المحاولة فعاد إلى ركنه الذي لازمه طيلة أسابيع، ووضع قفا رأسه المكلل بالشيب
على الجدار الخشن، آملا في أن يشق النوم طريقه إليه، بعدما فارقه لليالٍ عدة بل أسابيع. أحس العليل بدنو
أجله فهو موقن أن العدو نال منه، حينها فقط أدرك أن حبيبته التي لم يكن يفارقها للحظة، بل كان لا يغمض له
جفن إلا وهي في حضنه، قد باعته، وسلمته للعدو على طبق من ذهب وتخلت عنه. فندم على كل لحظة نشوة
أحس بها معها، بل على كل دقيقة افتخر فيها وهو ممسك بها في يده، ويداعبها بأنامله، وهي متوهجة، ورائحتها
تفوح في كل مكان. لكن هيهات !! لقد فات الأوان على الندم، فتلك السجارة الصغيرة اللعينة ملكته وكبّلته وجعلت
منه عاجزا مريضا.