الكوخ السعيد – بختي ضيف الله المعتز بالله

0
862

هجر المدينة الصاخبة، العابثة ،الماكرة ، وسكن كوخا بناه بيديه الضعيفتين ،يبعد عنها كثيرا .
في شتاء بارد يخافه الفقراء أمثاله ، استعان ببعض الأخشاب، وعلب “الكرتون” رماها أصحاب الدكاكين لعله يطرد بردا عن كوخه الصغير ،ويصنع دفءاً ينسيه ما لقي من ألم السنين.
لم يزره أحد، حتى أولاده الأربعة، لم يسأل عنه أحد منهم، كأنه مقطوع  من شجرة.. !
في يوم ثلجي جميل ، خرجت عائلات من المدينة، تشتت في العراء تاركة ضوضاءها، متمتعة بالبياض .
هذه شابة ترمي صديقتها بكرات الثلج ، وذاك يصنع تمثالا يأخذ صورا معه ،وطفل صغير يحبو ، يتذوق طعاما أبيض ، وعريسان يصفان قلبيهما ويشبهانهما بهذا البساط الجميل .
وكهلان يتبادلان أطراف الحديث حول سقوط الأمم ،وعن مصارع القوم .
ولكن،..
ما بال الفتى صاحب الشعر المجعّد والعينين الزرقوين؟..
يتأمل الكوخ ، هل أعجبه تصميمه ؟ أم المكان المرتفع الذي بني عليه؟ عكس المدينة التي بنيت على الحضيض ، تبلعها الأودية إذا غضبت ، وتبيدها الغابة إذا احترقت ..
بدافع الفضول، تقدم أكثر فأكثر حتى اقترب من الباب ، وأطل برأسه ليعرف ما بداخله ،ثم دخل..
وإذا بشيخ ذي لحية بيضاء غارق في النوم ، وجمر ، وعلب”كرتون” مرتبة  جيدا ، ورائحة قهوة منبعثة كأنها أحضرت اللحظة .. !
استفاق الشيخ من نومه فإذا بالفتى جالسا على إحدى العلب.
-ماذا تفعل هنا يا ولد ؟
اتجه الفتى نحو الباب خائفا ، وبقي واقفا عنده ولم يتكلم بكلمة.
أصوات في الخارج ..
– يا وليد أين أنت ؟..نحن نبحث عنك يا وليد ..يا..
-أنا هنا يا أمي ..أنا هنا يا أبي..
دخل الوالدان غاضبين ..
– قالت والدته :ماذا فعلت  بابننا يا شيخ ؟
– قال والده :أش شت ..هذا أبي .. !!
-هذا أبوك؟ !..ألم تقل لي بأن أباك ميت ؟ !
وخيّب الصمت عليه ، كأن على رأسه الطير ..
وواصلت أم وليد حديثها مع الشيخ ، بعد أن ارتشفت قهوته الساخنة ،كان حديثا شائقا.
وقدمت بين يديه اعتذارها على ردة فعلها العنيفة ، وسرت بمعرفته  ولأن ابنها يشبهه كثيرا .
ألحت عليه أن يعيش معهم ، لكنه رفض الفكرة ، ووعدته بزيارته…وعانق الفتى وليد جده قبل الرحيل.

(من مجموعتي القصصية “قبيل الفجر بقليل” )

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here