يريدون أن يوهمونا أن الثورة الإيرانية إنما هي بإيعاز من الولايات المتحدة والكيان الصهيوني الغاصب، وكأنهم يقولون لكل من وقف مع الشعب الإيراني التواق للحرية والعدالة الاجتماعية أنت عميل هاتين القوتين أو الشيطانين كما يحب نظام الملالي أن يطلق عليهما. وكأنه لدينا في المقابل نظام “إسلامي” أعطى نموذجا حيا للحكم الراشد، وفتح القدس وحرر فلسطين وعاش متقشفا زاهدا في المال والريع السياسي جنبا إلى جنب شعبه المطحون في طاحونة الفقر والحاجة وخسارة الدنيا بعدما خسر اعتدال دينه الذي تحكمت فيه مرجعيات متطرفة، كل همها أن تجعل منه ميليشيات مسلحة هائجة تنفذ أجوندات المرشد الأعلى علي خامنائي، في إحياء حلم السيطرة الفارسية على منطقة بلاد النهرين والخليج العربي وضفة المتوسط الشرقية، ميليشيات أثبتت حيثما حلت أنها متخلفة عقليا وحضاريا، ترى في كل من يخالفها طائفيا ومذهبيا أنه عميل لبني أمية، وبالتالي شريك في دم الحسين (عليه السلام) وجب قتله والثأر منه.
إن تدخل تركيا على الخط وحسم وقوفها إلى جانب نظام الملالي متهمة الثورة الإيرانية بما لا يجوز في حقها موقف سياسي كأنه يعتمد نفس سياسة إيران في اتباع التقية (النفاق السياسي) في علاقتها مع دول الجوار، وكأنها تخشى موجة جديدة من اللجوء نحو أراضيها أو تخشى إعادة استفزاز الدب الروسي، أو تريد أن تعطي للعرب فرصة لمجابهة التحدي الشيعي وحدهم وقد جربتهم في الثورة السورية فلم تجن منهم إلا المواقف الخرقاء وخاصة دول الخليج.
في الوقت الذي يحاول فيه قادة إيران الظهور أمام الرأي العالمي وخاصة العربي أنهم حماة الدين والديار وثارات أهل البيت والظهور بمظهر الاستضعاف المقاوم أمام الاستكبار العالمي، تفند الحقائق على الأرض هذه المزاعم كلها وتثبت من خلال التقنية التواصلية الحديثة التي تنقل الصوت والصورة من قلب الحدث، أن هذا النظام بعيد كل البعد عن الصورة المثالية التي يخدع بها البعض، فجرائمه في أفغانستان ضد الشعب الأفغاني خلال احتلال الأرض بعد أحداث ٢٠٠١، جعلت من إيران مجرد جيش عملاء لأمريكا، غير أن أمريكا كانت تقاتل أعداء القرن الواحد والعشرين أما إيران فكانت تقاتل أعداء القرن السادس الميلادي، نفس الشيء ينطبق على اصطفافها خلف المحتل في العراق.
أما ميليشياتها الخارجية فبعدما تحولت إلى طابور خامس في بلدانها الأم إما للسيطرة على الحكم فيها إن استطاعت أو الانقلاب على الثورات الناجحة في إسقاط الديكتاتوريات داخلها، أصبحت يد اختلال واحتلال تضرب كل من وقف في وجهها خارجيا. فأصبح حزب الله وقوات الحشد وشيعة أفغانستان وآسيا الصغرى واليمن والبحرين مجرد مرتزقة يأتمرون بأمر المرشد ويطلقون الرصاص من رشاش قاسم سليماني على كل شعب عربي مسلم ثار ضد طغيان بلده، غير أن إيران تأبى إلا أن يصطف هذا الشعب ثانية خلف إرادتها الخانقة أو يكون مصيره الذبح، مثلما حصل في العراق وبشكل فاضح في سوريا واليمن. أما من رفض الهيمنة الإيرانية فيصبح خائنا لمحور المقاومة، فقط لأن أمريكا وإسرائيل دخلتا على خط الثورتين العربية والإيرانية بقصد التشويش عليهما.
الإنسان العربي الحر اليوم يعرف جيدا أصدقاءه من أعدائه ويحسن التمييز بين العدو القريب والعدو البعيد. ولعل العدو الأقرب هو من يحتل الأرض العربية المسلمة بغض النظر عن دينه أو طائفته أو هويته، فهويته في بندقيته: ومن يحتل الأرض في العصر الراهن هم الكيان الصهيوني، حليفته أمريكا، حليفتها روسيا ثم العدو الإيراني الفارسي، فهل ما زالت في الوطن العربي روح مقاومة كتلك الروح التي أعطتنا أمثال عمر المختار ومحمد بن عبد الكريم الخطابي وعز الدين القسام؟
لكن ليحذر الإنسان العربي الحر، فقد يتهم بالعمالة بدوره لكل عدو محتل إن حاول هذا العدو مهادنة ثورته إن لم يستطع الركوب عليها، وصرح أنه معها ويعلم الله أنه عدوها الأول.