تعليقا على لقاء أحمد حضراوي مع الروائي مصطفى الحمداوي ببرنامج الديوان – د. جميلة الكجك

0
882

صورة من صور التحدي يحققها الروائي “مصطفى الحمداوي” كمثال إنساني ليس متعاليا عن الواقع بل في خضمه وانطلاقا منه، لكنه متعاليا على الفقر والغربة والألم الناتج عن الحادث الخطير الذي تعرض له هذا المبدع والذي لم يوضح لنا الإعلامي الأديب “أحمد حضراوي” ولا الضيف عن ماهيته شيئا. الجميل في هذا الشخص أن ظروفه تلك التي مر بها لم تجعله يشعر بالاغتراب ولا باليأس، ولم تحوله إلى إنسان محبط ينزوي في ركن يبكي ذاته وحظه والقدر.

والإنسان أي إنسان ابن بيئته، لكنه حين يتفاعل مع ظروفه بواقعية وإيجابية ويستفيد من ثقافته ومعارفه ومواهبه، لابد يصبح مبدعا يتعالى على جراحاته، ويسمو بنفسه إلى مراق ترتقي به في مدارج النجاح والفلاح ويصبح أنموذجا يتطلع إليه الشباب في مجتمه المحلي والعالمي إن صادف من يحمله بأجنحتها إلى دنيا الناس. واقعي يرى أن ومن خلال تراكمات أحداث الحياة علينا أن نصل إلى فهمنا بالحياة وتحدياتها. وأنه لا بد من إثبات وجود الذات والعناية بها. رأى أن حقيقة الحياة تكاد تكون لعبة لها وجهين، فحينا هي تلعب لنا وحينا نحن نلعب بها والصحيح أن نلعب معها. بهذا نجد أن له فلسفة معينة في الحياة اعتنقها وطبقها إذ كانت تتشكل بصيرورة أحداث الحياة ذاتها وفعلها في كينونته كإنسان، يعيش حيثه الزماني والمكاني والروحي، فخلق من ركام الواقع أجمل فرص يمكن أن يقتنصها إنسان.

واقعيته لم تكن تلك الواقعية الجافة الباردة الصلبة بل كانت واقعية مرنة، ذات صيرورة، تتخللها إشراقات الأمل من شفقها الذي رآه باديا له، إذ رسم حدودا هي في حقيقتها صمام أمان لوجوده ولكينونته بحيث لا يغرق في واقعية كئيبة ولا يستسلم لخيالات واهمة واهية، بل ليمارس شغفه في الحياة والذي بدأه بكتابة النصوص ثم الشعر. كتب وكتب حتى تبلورت لديه موهبته في كتابة الرواية والتي يعتبرها صنعة ودربة تحتاج إلى دراية وليست بحد ذاتها فلسفة، بل هي أداة تجعل الحياة جميلة ونافعة. هذه بالذات هي وظيفة الروائي أن يقدم ما يجعل حياتنا أجمل وأكثر نفعا.

الحيث، الزمان والمكان له فيه أقصد “حمداوي” فلسفة معينة أثرت قاموسي الفكري وجعلتني أتأمل فكر هذا الرجل الذي لا يعترف بأن له فلسفة خاصة أو وظيفة فلسفية للرواية، وهو لا ينطق إلا بأفكار هي بحد ذاتها فلسفة حياة وإن تحررت من المنطق الجاف للفلسفة كمبحث متخصص، فالمكان عنده غير قار إذ يعيش هو في مكانين يعيشان فيه، يتأثر بهما ويتأثران به كمبدع حقيقي من خلال كونه روائيا يكتب من أجل متعة الكتابة بغض النظر عن الجوائز او تقدير المجتمع له، ولأنه قام بعمله بإخلاص للعمل ذاته، فقد حاز بالفعل على عدة جوائز لكنها للأسف لم تكن جوائز تقدير من وطنه الأم ولم يُحتف به هناك.

أهم ما يهتم له هو الحرية عامة والحرية الفكرية خاصة والتي يراها أساس كل شيء على أن لا تتخطى الخطوط الحمراء التي وضعها هو لنفسه، أن لا يسبب للآخر إهانة أو إحراجا أو اعتداء ما.

حرية التعبير عنده مسؤولة ولذا فهو يمارس النقد الذاتي على كتاباته، إلا أن الحرية بعد هذه الخطوط الحمراء والنقد الذاتي هي حرية مقدسة لا يتصور المساس بها وإلا فلن يكون هناك إبداع. وعلى الكاتب أن يكون أول ناقد لعمله وبهذا يحقق التوازن والمعادلة.

كتابة الرواية كانت بالنسبة له حلما عمل على تحقيقه ونجح بالفعل، وحقق ذاته من خلال نجاحه هذا.

تمنى للروائيين العرب التخلص من محليتهم والانطلاق إلى العالمية من خلال الخلاص من تقوقعهم في تفاصيل لا تهم الإنسان كإنسان في أي زمان أو مكان. أن تصبح لها فرادتها التي يبحث عنها العالم ليقرأها، وهذه هي المعادلة هنا، نعبر عن فرادة ذاتيتنا ولكن على أننا بشر من البشر وليس بالاهتمام بتفاصيل لا تهم غيرنا ولا يتطلع الآخر إلى التعرف إليها. وانتقد الرواية التي تكتب بالعربية في بلاد الاغتراب من حيث كونها استمرارا للرواية التي تكتب في الوطن العربي، إذ بقيت في إطار الطقس العام ذاته ولم تخرج عنها، ولم تستفد من احتكاكها بالثقافة الموجودة ضمن الثقافة الغربية.

شكرا لك أحمد حضراوي على استضافتك مبدعا يستحق منا كل تبجيل واحترام، ليس على إبداعاته فقط ولكن على فلسفته الإيجابية في الحياة وآرائه القيمة في كل ما تحدث عنه، كذلك الرأي الذي أدلى به بخصوص لوحة رآها، لن أتناول رأيه هنا لأنني أود لقارئ تعليقي هذا أن يشاهد اللقاء ويستمع إلى إنسان مبدع حتى في رأيه بالإبداع، وأقصد إبداع لوحة.

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here