موقف مخز آخر للبلدان العربية والإسلامية باستنبول هذه المرة التي لم يتورع حاكمها طيب رجب أردوغان منذ سنوات توليته الأولى على رأس حكومة الإسلاميين بتركيا عن استضافتها والدعوة لها بكل غضب حتى أملنا في قرار مفاجأة وفتح مبين، لقد أزبد الرجل وأرغد في قضايا عدة خصت الأمة العربية والإسلامية وكدنا نظنه سيعقد الألوية ويجيش الجيوش لتحرير فلسطين كلها وليس فقط القدس إثر إعلان “كووبوي” أمريكا وصايته عليها وتفويتها عاصمة للكيان الصهيوني الغاصب وكأنها ولاية أمريكية ورثها عن رؤساء أمريكا السابقين.
غير أن ما تمخضت عنه القمة الإسلامية الطارئة ودبج في بيانها الختامي لا يعدو أن يكون اجترار بعير لمواقف سلبية سابقة أكل الدهر عليها وشرب ولم تُجد نفعا ولا تحريرا في الماضي وكان الخطر محذقا بالقدس لكن ليس بهذه الحدة بعد إعلان دونالد ترامب، ولم تخرج هذه القرارات عن استجداء المنظمات الدولية التي كانت بشكل أو بآخر متواطئة مع العدو الصهيوني منذ اعترافها الأول به سنة 1948 وإعطائه الأحقية التي اغتصبها في فلسطين، أو منظمات واضح وضوح الشمس أنها أداة أمريكية تحقق بها أهدافها الخارجية كمجلس الأمن، وقد تبين عدم اهتمامها بالقضايا العربية والإسلامية أصلا كما حدث في باكستان وأفغانستان والعراق ولبنان والصومال والسودان وإيريتيريا وسوريا وغيرها.
اعتراف القمة الطارئة بالقدس “الشرقية” عاصمة للدولة الفلسطينية موقف أقبح من لا موقف، فالصهاينة والأمريكان يرفعون سقف تحدياتهم لمقدسات العرب والمسلمين، غير أن العرب والمسلمين لا يجرؤون حتى على التهديد بالقوة أو التلويح بسحب الاعتراف من الكيان الغاصب أو حتى -ولو من باب الاسترجال قليلا- الاعتراف بالقدس كاملة عاصمة للدولة الفلسطينية، هذا مع التسليم أن هناك دولة أو إمكانية لقيامها. فلا الواقع على الأرض وأقصد الضفة الغربية ولا بنود الاتفاق مع العدو بوساطة العدو الثاني تسمح بإقامة دولة في جغرافية تنمو بها المستوطنات كالفطر وتقض أوصال الضفة ولا تسمح حتى بحق العبور الكريم بين مدائنها المحتلة إلا عبر حواجز مذلة للشعب الفلسطيني، ناهيك عن البنية التحتية الشبه منعدمة والتي لا تسمح إلا بكيتوهات فلسطينية شبه رهينة في يد الاحتلال يتوغل فيها متى شاء ولأي غرض شاء.
لو لمح العرب والمسلمون وعلى رأسهم الأتراك فقط برغبتهم في إقامة دولة “عباس” في كامل القدس لاعتبرنا الموقف سابقة ولو من باب المزاح والنكتة، أما وقد تحركوا فقط في إطار “الشرعية” التي سُطرت لهم سلفا من طرف الولايات المتحدة ذاتها فلم يبق أمامنا إلا أن نقول على القدس السلام.
السلام الذي ينشده حكام صدئت كراسيهم من زمن التصاقهم بها أكثر مما ينشده العدوان الصهيوني وحليفه الأمريكي والذي لم يعد من أمل للخروج من ورطته القاضية على كل أمل في تحرير الأرض، إلا انتفاضة مقدسية تقلب المعادلات على المحتل وتزيل حواجز “السلطة الوهمية لرام الله” التي تحول بينها وبين حربها المقدسة، والتي وعد الرحمان من صدق من أبنائها بالنصر المبين ولو طالت المعركة.
كان أولى بقمة العار هذه أن تعلن أهم شيء ألا وهو أن الكيان الغاصب هو كيان احتلال، يحتل أرضا عربية إسلامية اسمها فلسطين تمتد من النهر إلى البحر، كل مدائنها وقراها محتلة: القدس والجليل والخليل ويافا وحيفا وتل أبيب وغيرها، وتعلن الشعب الفلسطيني شعبا أبيا مقاوما بكل ما أوتي من وسائل سلمية كانت أو غير سلمية، حتى وإن لم تعلن دعمه أو لم تستطع ذلك. المعركة وحدها من تستوجب وسائل خوضها. وما ضاع حق كان من ورائه مطالب، وكيف إذا كان هذا الحق أرض الأنبياء وأولى القبلتين وثالث الحرمين، وكنيسة المهد والقيامة، وأرض الرباط التي لا يضر بنيها المرابطين بها من خذلهم أو خانهم، وهم أهل الرباط إلى يوم القيامة. وهم المعنيون لا شك في الأثر: فقد قال عبد الله بن الإمام أحمد: وجدت بخط أبي، ثم روى بسنده إلى أبي أمامة قال: قال صلى الله عليه وسلم: “لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء، حتى يأتيهم أمر الله. وهم كذلك”، قالوا: يا رسول الله وأين هم؟ قال: “ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس” وأخرجه أيضا الطبراني . قال الهيثمي في المجمع ورجاله ثقات.