حتى أطفال القرية لم تسلم أجسامهم الطرية من لسعات سوط أبي السعيد، عندما يعبر الشارع الوحيد الضيق في القرية بعربته التي يجرها بغل أسود ضخم الجثة، يتدفق من منخريه هواء ساخن وهو ينوء بحمله وسوط أبي السعيد السليط.
ينتظر الأطفال مرور العربة بفارغ الصبر ليغافلوا أبا السعيد و”يتعربشون” العربة من الخلف فرحين، وإذا لسعهم سوط أبي السعيد يتقافزون صارخين.
هو يعرف أن أهل القرية لا يحبونه وأنهم يتعاملون معه لأنه الوحيد الذي يملك عربة ينقلون عليها ما يريدون مقابل أجرة مرتفعة، ينقل إليهم الطوب والحجارة والرمل، ينقل العفش والخشب وأكوام الخردة وسوطه لا يرتفع عن ظهر البغل.
يعود آخر النهار إلى غرفته في أطراف القرية يفك العربة من البغل يرمي جثّته الضخمة على الأرض وهو يلعن المرأة التي مرّت من جانبه وأشاحت بوجهها اشمئزازا.
تزوج أبو السعيد أكثر من مرة، وكل زيجاته كانت تنتهي بالطلاق، هو يعتقد أن أهل القرية لا يعرفون أسباب الطلاق، ولكن الحاج مصطفى قال ذات يوم أمام جمع غفير من أهل القرية أنه لا ينفع النساء ولا ينجب كبغله.
فكر البغل بالتخلص من ظلم أبي السعيد وسوطه، فكر بالانتحار، لكنه لا يعرف النباتات السامة، إذن ما العمل؟ ربما كانت فكرة الانتحار من فوق الجبل فكرة مناسبة، لكنْ أبو السعيد لا يذهب به إلى قمة الجبل.
ذات ظهيرة كانت الشمس ترسل حممها على البغل ورأس أبي السعيد الكبير وهو ينقل الحجارة، تعثر البغل فوقع على الأرض مما أدى إلى انقلاب العربة وتدحرج الحجارة وسط صيحات مجموعة من رجال القرية؛ يا ساتر .. يا ساتر .. يا الله. ينهض أبو السعيد غاضبا وينهال على البغل ضربا بالحجارة حتى سالت الدماء من رأسه وظهره وهو يلعن البغل وأمه وسط ضحكات الرجال.
فجأة ينهض البغل، نظر إلى أبي السعيد، اندفع إليه، نطحه، أوقعه على الأرض، انقض عليه برجليه رفسا .. رفسا .. رفسا.
حاول الرجال إنقاذ أبي السعيد إلا أن البغل لم يستمع إلى صيحاتهم، ثم مدّ عنقه إلى الأعلى وأطلق ساقيه إلى الريح.