حلّ الصّباح مبتهجا يشعُّ، فقلتُ:
أنتِ سيّدتي للصّبح عنوانٌ جميلُ
انْسلّ شعاعُ الشّمس إلى الغرفة متأنّيا،
فكانتْ بسمتُك للنّور دليلُ
يهزّ الطيرُ رَأسَه من عُشّه متسَائلا:
هل انتهى بردُ الشتاء الطويلُ؟
البلبل يغرّد صدّاحا بأغنية، لكن
همْسَك شدّني وجوارحي إليك تميلُ
سكان المدينة في شخير متواصل،
كأنّ النّوم في عصرنا كنزٌ قليلُ
يأتي الصبح إلى الأتقياء مبكّرا،
وفي المساجد آذانٌ وابتهالٌ جليلُ
اللّيلُ ينشقّ عن النّهار مُودّعا،
فهل تغادرُ الروحُ حضْنَها وهي ظليلُ؟
هل يستسلمُ العاشقُ لفراق ظلّه،
وهل يخفتُ شوق القلوب وهو غليلُ؟(1)
تشابكت الرّوحان في سكينة، فقالتْ:
كيف نختصر العناق وهو طويلُ؟
كيف نخرج من مملكة الحب التي
أسّسْنها، وهل بعد المقام السّعيد رحيلُ؟
كيف تقوى النّفس على فراق نفسها
هدرا، ومن يغادر طبيبَه وهو عليلُ؟
فقلت: لن يتعثّر الحظّ بعد طول قطيعة،
فأنا من ذرية الحبّ القديم سليلُ!
أنا من كتب من همسك أغنية ترنّمت
بها عند الوصال كل خليلة وخليلُ
عبَرتُ بذكراك ثلاث قارات أبشّر
بها العاشقين الحيارى، فأين السبيلُ؟
هل سريالية اللّحظة فاقت حدّ المعقول،
أم أن ّالعقل بلا حبّ منطقٌ هزيلُ؟
وَضعتْ وجْهَهَا على صدري، وقالت:
دع اللّيل يمتدُْ في النّهار، فكلاهُما بديلُ!
وجنتاك مُحْمرّتان احمرارَ الورد الهولندي،
فلا مساحيقَ براقة ولا كُحْلٌ كحيلُ
والرّبيع يُعلن مولده، فأنت وردةٌ فيحاءُ
وقارورةُ عطر ملائكي منك تسيلُ
لم نشرب خمر أبي نواس ولا عَرَقَ نزار،
وإنّما للحبّ سكرةٌ إليها نسترخي ونميلُ
الشّفتان النّاعمتان تتوهّجان حُمرة،
وعندهما أهيم وينفتح الطريقُ المليلُ (2)
غيثُ الطبيعة على الأزهار منسكبٌ،
ووقعي على الشّفتين كوقع الندى بليلُ
***
الحب شحنةُ طاقات متعدّدة تُبطل العقل،
فكلّ محظور مرغوبٌ فيه حُلوٌ جميلُ
وبين القلب والفاه وشوشة عن سرّ النساء،
وأنا عن بوْح قلبك رقيبٌ ومخبرٌ وعميلُ
أفكّ شفرتك ونواياك الصّامتة، ولي فيها
عند كلّ فصل تأمّل وتمعّن قد يطولُ
فقالت: صباح الزين وصباحُو
صباح الياسمين ونتفاحُو
صباح الكنار وتصياحُو
صباح الملحون وتمداحُو
صباح الخير يا وجه الخير!
***
هل أتمالك نفسي عنك يا سيّدتي؟
وأنا القائل: أنتِ للصّبح حقّا عنوانٌ جميلُ
كيف لا أعانق دفء الشمس من ثغرك،
وبسمتُك مدى العمر للنّور إشعاع ودليلُ
رائحة القهوة في الأجواء مترامية،
لكنّ عناقك هو قهوتي لعهد سيطولُ
أوَ لَمْ تقولي: اسدل ستار النّافدة،
ودع اللّيل يمتد في النّهار، فكلاهما بديلُ!
هوامش:
1) غليل : حرارة الحب والشوق
2) مليل: طريق واضح ممهد