جلست سوزان ككل صباح قبالة النافذة ترتشف قهوتها السوداء.. في الخارج منظر الثلج المتساقط يغري بالبقاء داخل المنزل الدافئ، لكن كان عليها هذا الصباح أن تذهب إلى المحامي الذي وكلته من أجل الدفاع عن استمرار حضانة ابنتها لينا التي لم تكمل بعد عامها الرابع.
فتحت الجريدة.. أشعلت سيجارتها الأولى.. قرأت سريعا بعض العناوين الرئيسة ثم ذهبت مباشرة إلى صفحتها المفضلة، صفحة الأموات والحوادث! رأت اسمه.. الاسم الثلاثي.. ارتبكت.. أعادت قراءة الاسم مرة أخرى.. تبحث عن هاتفها.. تركب رقم جاك
-طليقها-.. لا أحد يرد.. تحاول مرة أخرى.. دون جدوى.. تتصل بأمها سوزان : أهلا ماما.
ساشا ما إن سمعت صوت سوزان حتى صاحت: قرأتِ الخبر!! لقد مات جاك.. كنت حالا سأتصل بك – كانت ساشا أم سوزان تبدأ أيضا قراءة الجريدة من صفحة الحوادث والأموات-.
سوزان : نعم اتصلت به لكنه كان قد مات أصبحتْ ابنتي يتيمة يا ماما..
اختنق صوتها ولم تعد تقدر على مقاومة شهيقها أو حبس دموعها..
ساشا: بكاؤك جاء متأخرا عزيزتي.. لم ير الرجل معك إلا العذاب.. حتى ابنته حرمته منها.
سوزان: -تغالب نحيبها.. تمسح دموعها وتشعل سيجارة -لكنه اختار امرأة أخرى.
ساشا: نعم! بعدما طردته من داره ورميت له ملابسه في كيس القمامة.. كم توسل إليك.. كان يعشق ابنته لينا إلى حد الجنون.. مسكين مات.. لقد اتصل بي بالأمس وطلب مني أن أكلمك لتسمحي له برؤية لينا.. كأنه كان يشعر باقتراب أجله.. لم أكلمكِ كنتُ أعرف أنك قاسية.
سوزان: حرام عليك.. ارحميني من أجل الرب.
ساشا: البسي ملابس العزاء.. لا تلطخي وجهك بالألوان.. لا تُكثري من الشراب وأحضري معك لينا، يكفي أنك حرمتها منه في حياته، اتركيها تنظر إلى أبيها لآخر مرة.
تذهب سوزان، تلبس ملابس سوداء.. تضع مكياجا خفيفا على وجهها.. تجلس قبالة النافذة تنتظر عودة لينا من المدرسة لتصطحبها إلى العزاء.. تعيد شريط ذكرياتها مع جاك.. تسمع رنين الهاتف.
سوزان : ألو.
جاك: أهلا سوزان، وجدت أنك طلبتني مرتين.. آسف كنت قد نسيت الهاتف في السيارة.
سوزان لا تتحرك، وكأنها صنم!
جاك: ألو.. أنا جاك.. ألو.. هل تسمعينني؟
سوزان: -تبلع ريقها وتجيب بصوت مرتعش -من؟ من يكلمني؟
جاك: أنا جاك.. نسيت صوتي؟ أنا أبو لينا.
سوزان: -بتردد- لكنك مت! على الأقل هكذا كتبوا في الجريدة.
جاك: -ضاحكا- حتى أنتِ؟ لقد اتصل بي كثير من الأصدقاء ومن العائلة بعدما وجدوا اسمي في لائحة الموتى.. إنه تشابه أسماء عزيزتي لا غير!
من فضلك سوزان هل تسمحين لي بلينا فقط هذا اليوم، اشتقت إليها كثيرا.. سوف آت لأصطحبها معي.
سوزان: لو أتيت فسوف أستدعي لك الشرطة مثل المرة السابقة، ساعتها لن تراها طوال عمرك!
تضع سوزان سماعة الهاتف.. تغير ملابسها السوداء.. تضع مكياجا ثقيلا على وجهها.. تشعل سيجارة أخرى.. تخرج، كانت في عجلة من أمرها، تريد أن تلحق موعدها مع المحامي، تركب سيارتها وتضغط بقوة وعصبية على البنزين، لم تتوقف عند إشارة الضوء الأحمر، سُمع صوت فرامل شاحنة كانت تحاول تجنب سيارة سوزان..
في العدد الموالي لنفس الجريدة كان اسم سوزان ضمن لائحة الموتى في صفحة الأموات والحوادث.