ريم والجدة فاطمة ــ الدكتورة فاطمة الديبي

0
85

جلست ريم الصغيرة بجانب جدتها على الأريكة الناعمة، كان المنزل هادئاً، لا يسمع سوى صوت عقارب الساعة تتناغم مع صوت التلفاز الخافت في غرفة الجلوس.
نظرت ريم إلى جدتها التي كانت تجلس مستندة على وسادة زرقاء، وهي تشاهد التلفاز باهتمام. شعرت ريم بدفء يملأ قلبها، فطلبت من جدتها بعد انتهاء الاخبار أن تحكي لها قصة عن أيام زمان، ابتسمت الجدة بحنان وبدأت تحكي:
في زماني يا حبيبتي، لم تكن هناك هواتف ذكية ولا أجهزة كمبيوتر ولا تلفاز ذكي كالذي عندكم الآن.. كنا نلعب في الشارع، نركب الدراجات، ونصنع بيوتاً من الرمال. كنا نجمع الزهور البرية ونصنع منها أكاليل وتيجان للرؤوس، ونكتب الرسائل لأصدقائنا ونرسلها بالبريد. وكنا نتابع الرسوم المتحركة التي تتحدث عن القصص والمغامرات كسيف بن ذي يزن الملك اليمني الذي حارب الجن، والسندباد البحري الذي خاض رحلات سبع وكان يعود لبلده بكل ما طاب من أكل وملابس وحلي بعد أن جاب البحار وقام بمغامرات خيالية، وعلاء الدين والمصباح السحري….
في زماننا كان الوقت يسعفنا لصنع أي شيء، كانت أيدي الأمهات تصنع أجمل الهدايا لأطفالهن من بقايا الأقمشة الملونة، والخيوط المتنوعة، والحشوات الطبيعية كالقطن أو الصوف، كانت الأمهات يسخّرن أصابعهن لصنع دمية فريدة لكل طفلة.
كانت كل دمية تحمل لمسة من حب الأم، كانت الدمية أكثر من مجرد لعبة، كانت صديقة، ورفيقة، وسرّاً يشاركه الطفل كل أفكاره وأحلامه.
كانت الأم تصنع الخبز والكعك، وتطحن القمح، وتطهو ما لذ وطاب بحب وحنان… كانت المنازل غير منازل اليوم.
استمعت ريم بشغف إلى جدتها وهي تتحدث إليها عن ما ميز الماضي عن الحاضر..
صمتت الجدة برهة ثم عادت للحكي مرة ثانية بعد أن سألتها ريم عن سبب قولها أن المنازل قديما تختلف عما هي عليه الآن، فأجابت :”كانت المنازل أكبر وأكثر دفئاً، كانت الجدران سميكة، والنوافذ مصنوعة من الخشب. كنا نجتمع كلنا في غرفة واحدة، نشاهد التلفاز، ونلعب الألعاب، ونحكي النكات. لم يكن هناك أنترنت، ولكن كانت لدينا عائلات قوية، وأصدقاء مخلصون، وجيران أقرب إلينا من الأهل.
استمرت الجدة في الحكي وكأنها تعيد ريم إلى زمن آخر، زمن البساطة والسعادة.
يا حبيبتي، في زماننا حتى الحمّام كان أكثر من مجرد مكان للاستحمام، كان ملتقى للنساء، نلتقي فيه كل أسبوع، نحكي القصص، نضحك، ونشرب الشاي الحلو. كنا ننسى هموم الدنيا ونستمتع بصحبة بعضنا البعض،
كانت النساء يتجمعن في مجموعات، صديقات أو قريبات، ليذهبن إلى الحمّام معاً، كان ذلك فرصة للتواصل الاجتماعي وتبادل الأحاديث.
كانت هناك أوقات محددة في الأسبوع أو الشهر تفضّل النساء الذهاب فيها إلى الحمام، وكذلك أيام العيد والمناسبات الخاصة.
كنّ يحملن معهن سلالاً مليئة بالأدوات اللازمة كالصابون البلدي، و”الكيس”، والعطور الطبيعية، والحناء المدقوقة باليد، والشاي والبسكويت لتناولهما بعد الاستحمام.
كنّ يرتدين ملابس قطنية خفيفة وفضفاضة سهلة الحركة، ما كنا نتباهى على بعضنا فقد كانت القلوب طيبة مسالمة، وما كان الحمام بهرجة وعرض للأزياء مثلما عندكم.

استمعت ريم إلى حكايات جدتها عن المحبة والصداقة وحسن الجوار وعن دور العم والخال ولمة الأسرة….
وعندما حانت ساعة النوم، أخذت ريم معها إلى فراشها الكثير من الذكريات الجميلة، وهي تشعر بالامتنان لجدتها وللحكايات التي روتها لها، وعرفت أن الماضي، مهما كان، يظل جزءاً مهمّاً من حياتنا، وأن الحكايات التي نرويها للأجيال القادمة هي كنز لا يقدر بثمن.
د. فاطمة الديبي

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here