رواية عصابة شيرين وببلاوي في حلقات
مقدمة
أماني الخياط، مجرد مثال على صوت نشاز مصري تعب من كظم غيظه من شموخ المرأة المغربية شموخ جبال الأطلس فتقيأ من على منبر محسوب على طائفية قطرية متفرعنة متطرفة للغباء وقراءة غير واقعية لأحوال الشعوب التي شقت طريقها منذ زمن نحو الحضارة التي أسها الحرية والمبادرة النابعة من الذات وليس الحضارة التي أثقل كاهلها صخر هرم، ومنبعها سوط جلاد فرعوني! ترى هل كانت وهي في هيستيريتها تعتذر من على ذات المنبر كما يعتذر العبيد لأسيادهم تدرك أنها قد خلطت بين حروف الميم والراء قبلا فتشابهت عليها باقي الحروف، وبدل أن تزيد الصاد فقط ذادت وهي تقصد زادت حرفي الغين والباء!؟
– دور المغرب ملتبس مع الإسلاميين خلال موجة ما اصطلح عليه بالربيع العربي!
– تصنيفه العالمي على لائحة الدول المصابة بالإيدز!
– اقتصاده المبني على الدعارة في ظل حكومة إسلامية!
(ادعاءات أضع عليها ألف علامة تعجب)!
لا أحب أبدا الرد على الأطروحات غير العلمية التي لا تصدر عن هيآت محايدة تعتمد قوانين موضوعية في إصدار حكم أو رأي، أما إذا كانت مجرد قذف وسبّ ممن ليس مؤهلا أصلا لذلك، فذلك أولى ألا يلتفت إليها ويرد عليها خاصة إن كانت من صنف إعلامي لم يصل إلى وظيفته إلا بعدما مر من أسرة كثيرة حملته كبساط الريح إلى منبر يفضح جهله وتسلقه ومعاييره الخرقاء.
ولا أحب أيضا الخوض في السياسة ولا أحبها أصلا، غير أني أقف هنا عند إفك واحد لأنه يمسني بشكل مباشر: دعارة المرأة المغربية التي هي أمي وعمتي وخالتي وزوجتي وأختي وابنتي وجارتي، والتي هي كل مثال حي على حياة واستمرار هذا الشعب الطيب الذي لم يضرب عبر التاريخ إلا أمثلة للتضحية والفداء لأمته العربية والإسلامية بما فيها مصر التي لا يكن لها إلا الحب والتقدير، كان لهذه المرأة المغربية فيه الدور الأكبر لا شك.
تحدثت أماني عن المرأة المغربية، وأنا أسرد هنا على (شرف) تلك الإعلامية نموذجا فقط من الأسر المصرية حتى تتوضح حقيقة العهر الذي نقرأ عنه كلما فتحنا كتاب ربنا الذي يتلى إلى يوم الدين، قصة بيت إعلامي من طينتها وقصة زوجته!
لكني قبل ذلك، أفتح قوسا بل أقواسا عن الحضن الذي تسللوا عقوقا من دفئه إلى برد التيه في قلوبهم، كيف نصب أمثال هؤلاء أسطورة بلد أصبحت حلما يدغدغ مخيلة المبدعين العرب من كتاب وشعراء ومفكرين، وكيف أصبحت أمنية يتطلع إلى رؤيتها كل عربي ومسلم خاصة وكل العالمين عامة؟ ما من شك أن مصر هي البلد الذي ذكر أكثر في القرآن الكريم وربما في ما نزل من كتب سماوية قبله، وما من شك أنها كانت مستقر ومعبر كثير من الأنبياء ومكذبيهم أيضا حتى أن أول من ادعى الألوهية من البشر على الأرض كان منها! من عـاش ولم يحظ بفرصة زيارة مصر كأن لم يطلع على جزء مهم من تاريخ الحضارة الإنسانية ولو عرفها غيبا. غير أن من يراها مشخصة في مثل هؤلاء، لن يقف إلا على أطلال الصخر الذي ما زال يتغنى به كثير ممن استلهمت قلوبهم من برودتها وقساوتها، فتغيرت معالم إنسانيتهم إلى مضغة حجر وجلمود أنا وعناد.
لا أحد ينكر ما قدمته مصر للثقافة العربية والإبداع عموما، غير أن من يدقق في إنتاجها الأدبي والثقافي الذي روج له إعلام يعتمد معايير من شبت ونشأت في مدارسهم هذه الطغمة المغيبة، يجده جزءا لا يتجزأ من الإنتاج العربي باعتبار أنها وخصوصا حاضرتها القاهرة كانت محطة للكثير من المبدعين الذين اختصرت هويتهم الكتابية في “مصري”، رغم أن ذلك الانتماء لم يكن بتلك الدقة “القطرية” التي سوقها هؤلاء العكاكيش ، وأن ما حققه فلان أو فلان أو علان هناك من نجاح لم يكن لكونه مصريا بل لأن ظروفا تاريخية واجتماعية وسياسية وإعلامية خاصة، خدمته كما خدمت في فترات لاحقة وربما سابقة، الإبداع والمبدعين في الشام والعراق ولبنان، وبلدان أخرى لا تقل أهمية.
كانت المحصلة أن تيسر النشر وتيسرت الشهرة في مصر سواء لمن يستحق أو لمن لا يستحق، حتى أن الكثير ممن ألف وكتب واشتهر فيها، لا يعدو أن يكون ما طرحه من فكر وشعر وإنتاج إبداعي حشوا وتكرارا واقتباسا، لكن بما أنه “مصري” فكان لابد من أن تفرض علينا نصوصه وطرّهاته في برامجنا التعليمية منذ مراحلنا المدرسية الأولى وكأن لم يبدع إلا “مصري”!!
إجحاف وظلم كبيران في حق الثقافة المحلية لعل سببه قدرة الإعلام المصري المشوه في معظمه على تسويق كل ما هو منتوج محلي غثه وسمينه كما سوقه قبله السوري واللبناني وغيرهم مع الفارق، يتحمل جزءا كبيرا منه القائمون على الثقافة في البلدان التي استقطبت وروجت لهذه التبعية الثقافية والتعبئة الذوقية دون أن تكون لها نظرة لخصوصيتها ولهويتها الثقافية المختلفة عن كل ما هو وافد حتى ولو كان من أرض النيل ” أقصد جزءا من هذا الوادي”.
استمرار الهالة المصرية الثقافية في ذهنية المثقف المغربي أو العربي غير المصري عموما لها ما لها وعليها ما عليها، ولعل أبرز ما عليها هو اعتبار أن بوابة النجاح والشهرة والوصول إلى الجمهور العربي الواسع يتم عبر مصر ومصر وحدها. هذا الوهم هو ما دفع بالكثيرين إلى الذهاب إلى مصر بحثا عن هذه الشهرة والمكانة والاعتراف. غير أن المتمعن في المشهد الثقافي سيدرك حين ينظر بعين بصيرة أن فاقد الشيء لا يعطيه، فبرغم الإرث الثقافي الواسع لهذا البلد، أصبح كل شيء فيه مستهلكا أو يكاد، حيث تراجع الإبداع إلى أسوء حالاته إلا من أقلام وطاقات قليلة جدا ما زالت تبتكر جديدا، سواء في مجال النثر أو الشعر. بل حتى في مجال الغناء لم تستطع مصر أن تعطي صوتا واحدا مميزا بعد وفاة الرعيل الأول من المغنين كأم كلثوم وعبد الحليم حافظ ومحمد عبد الوهاب، لذلك بقيت محتفظة بمكانتهم. فقد رسخ العجز الإبداعي مفهوما مفاده أن ما بلغه هؤلاء لا يمكن أن يبلغــه غيرهم، وبذلك وقعوا عريضة مشتركة بوأد كل أمل في ابتكار جديد من ذلك الطراز.
كثيرون اعتقدوا أن هذا البلد يمكن أن يتغير بعدما قام بثورة بعد عقود من الظلم السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وكثيرون لم يدركوا أن التغيير يكون أولا من الذات قبل الانتقال إلى الآخر، فلا يكفي أن تلقي كل المسؤولية على الآخر وتجعل منه شماعة تعلق عليها كل شيء سيء حتى ولو كان الحاكم نفسه. التغيير الذي لا يـبنى على سنن ربانية وأسس علمية نفسية متناغمة مع المسار الدولي لا يمكن أن يؤدي إلا إلى تكريس ظلم جديد ومصائب عكسية أعظم مما كانت عليه، لأن المجتمع الجاهل المتخلف الضيق الرؤيا لا يمكنه إلا أن يهدم، أما أن يبني دولة مدنية حديثة فهذا من سابع المستحيلات ما لم يخلع عنه عباءة غشاوته أولا. كما أن الشعب الذي ما زال يقدس فراعنته حتى النخاع ويعتبر إذلالهم له فريضة وجدانية حتى رفع لهم الصخر في الصحراء أسيادا، لا يمكنه إلا أن يستمر في روحه المستعبدة ولو بعد آلاف السنين. أهرامه تذكره كل يوم أن ظهره ما زال يطلب السوط ليفوح بعرق العبودية الذي من شدة ما تصبب بأرضه تراكم حتى أصبح نيلا يجري، نعم ماذا لو لم يكن النيل سوى العرق الذي تصبب مع ذل المصريين القدامى وهم يحملون صخر الأهرامات لبناء قبور أسيادهم الفراعنة!
كتبت يوما في مقدمة مقال لي على جريدة نجوم الإبداع عن الشاعر المصري موضوع روايتي الأولى “في شراك أحمد بخيت”، أحمد بخيت: “كيد إخوة يوسف وكيد إخوة الشعر”: “ما يجمع ظاهرا في هذا الأمر بين إخوة يوسفع وإخوة الشعر وتحديدا هنا الشاعر أحمد بخيت هو انتماؤهم إلى مصر بشكل أو بآخر، وما يجمع باطنا بينهم وبينه هو نفس سلوكيات الشر والغيرة والحسد التي سأذكرها هنا، من خلال توقفي عند مجموعة من المحطات النفسية التي ستبين أن الشر في بعض الذوات المصرية لم يتطور أبدا، وبالتالي فهو متكرر أصبح مفعوله مختصرا كجرائم في (نمطية فرعونية) معينة ومحددة لا تخرج عن إطار تعظيم الأنا واحتقار الآخر، لتنتهي إلى ما وصل إليه إخوة يوسف في الأخير وهو السجود بين يديه والاعتراف له بطبيعة أنفسهم، والإقرار له بالمنزلة التي أنزله الله عز وجل إياها من دونهم، وطلبهم إلى أبيهم يعقوبع أن يستغفر لهم ربه”.
غير أني ووجهت بردة فعل شديدة من أصدقاء مصريين تعجبت لها رغم أن هذا السلوك النفسي موثق في أصدق الكتب السماوية وأصحها:
– “لترد على أحمد بخيت تتعرض للشعب المصري هكذا!!.. لا يا أخي راجع هذا المنحى فقد أغضبت مصريين كثيريين، اللصوص والنصابون فى كل بلد، راجع، تحياتي”.
وطلب مني آخرون أن أحذف مقاطع أخرى من المقال رغم أنها لم تكن سوى دراسة نفسية للشر في بعض النفوس، تخصص دون أن تعمم، فالتعميم غالبا ما يكون إجحافا وظلما.
لا يمكن أن تصبو إلى الحرية حين ترضى بالعبودية وتستسلم للقيد، بل حتى إن تكسر قيدك من شدة صدئه اعتبرت ذلك منحة من الفرعون الذي بعث من غرقه وعاد في تابوته إلى المتحف المصري ليحرس نظراتك إليه ويراقبك عبر الزمن الذي تطور بك لكنك لم تتطور به! لا يمكن للفكرة أن تتولد دائما بين صخرة وحبة رمل وقطرة نيل إذا لم تذرها يوما رياح من أقصى المشرق أو المغرب. ربما حاول شيشنق أن يبعثر تلك الأنا بجرة قلمه التي كتبها شِمال ضفة النيل، وربما بددها بسيفه فقط، لأن من اشتم رائحة الحبر يومها كان قد طمس حواسه الأخرى إلا عن ضربة سيف.
حتى حينما تحطم ذلك النصل، لم يرممه العبيد ليحملوه في وجه غاز بل زادوا في تهشيمه ليبيعوه في سوق النخاسة كذكرى وشم جلدة سوط آخر على ظهورهم التي تعودت على غضب الرجال!
رؤية أصبحت ثقافة مؤصلة ومتأصلة وقديمة جدا تبلورت في الاستكانة والكسب بأية طريقة وبأي مصدر ولو كان القهر، المهم أن تدر دراهم معدودة تكفي مؤونة نسوة المدينة من طعمية وكشري، وما تنبت الأرض من بقل وقثاء وفوم وعدس وبصل، وما يخرج من بطون نحل مصر من عسل “مغشوش” يشجي بعض الحبال الصوتية لتتغنى بـــ : “إحنا إحنا إحنا”!
تفتح مصر أبوابها لمن عشقها غيبا وقطع المسافات الطوال فقط ليستنشق فيها هواء الأنبياء، لكن سرعان ما تزكمه رائحة فراعنتها المنبثة من كل مكان أول ما يصلها، حتى أولائك الذين يرمون بأقلامهم مع من رمى كما يرمون نفاياتهم عند أقدامهم وتحت أَسرتهم، ويطفئون سجائرهم حيثما تصادف في حماماتهم أو مطابخهم الهزيلة، لتطفو نفوسهم مع دخانها المتطاير إلى الأعلى حتى تكاد تصطدم بسقف البيت أو أعلى الهرم.
مع ذلك النفس المتطاير ولعله نفس الشيشة أيضا، تتبختر تلك النفس التي ما زالت حويصلتها تئن من الجوع، لترسم بكبريائها الأجوف معالم الثقافة العربية وطرق تفريغها في قوالب مكتوبة يسكبها أمل النشر والوصول إلى أكبر عدد من القراء، دون أن تغفل المهمة التي ميزتها عن باقي الشعوب العربية، حتى لتكاد تكون مهمة بعض مثقفيها القومية الوحيدة: النصب والاحتيال، ولو على أدمغة الأمة العربية من كتاب وشعراء ومثقفين، الوافدين على القاهرة من كل حدب وصوب.