عن دور الصفحات والملاحق الثقافية للصحف المغربية جريدة “العلم ” نموذجاً __ د.عبد الجبار العلمي

0
213

 

“عن دور الصفحات والملاحق الثقافية للصحف المغربية
جريدة “العلم ” نموذجاً” :

 

الطلبة الذين كانوا يدرسون في كلية الآداب في ظهر المهراز بفاس في أواسط سنوات الستين كانوا ينشرون أعمالهم الأولى في صفحة ” أصوات ” بجريدة العلم، أذكر منهم هنا : إدريس الناقوري ونجيب العوفي وأحمد المديني وعمر والقاضي ومحمد القماص وعبدالرحمن عبدالوافي ومحمد أنقار – رحمه الله- ، الذي أذكر أنه نشر بها قصتين بديعتين هما : ” السبورة ” و”الصديق عباس ” . وأغلبهم كانوا يكتبون القصة القصيرة، وكان من الذين ينشرون الشعر، أحمد بنميمون وأحمد الطريبق أحمد وإدريس الملياني وأحمد مفدي وع.الجبار العلمي ومحمد الشيخي : الذي نشر بها قصيدتيه الجملتين : ” عيناك ” و “المغتربون” قبل أن ينشرَ له الملحقُ الثقافي للجريدة أولَ قصيدة نشرت له به بعنوان ” الحزن ” ..

 

كانت صفحة “أصوات” مدرسة، كتب فيها العديد من الأصدقاء والصديقات الذين لم تسعفنا الذاكرة لتذكرهم الآن. المهم أن تلك الصفحة كانت المنبر الذي حبونا فيه، ورعانا بحنان وحدب في أحضانه، مجموعة من خيرة أدباء وشعراء المغرب أذكر منهم الأساتذة عبدالجبار السحيمي ومحمد السرغيني ومصطفى الصباغ والمحجوب الصفريوي. بل أذكر أنه كان بيننا شعراء أصدروا باكورتهم الأولى، وهم ما زالوا بعد طلبة في الجامعة، أذكر منها الدواوين التالية : “الحب مهزلة القرون ” لمحمد عنيبة الحمري، و” أشواك بلا ورد ” لمحمد بندفعة رحمه الله، و”أشعار للناس الطيبين”.

 

( ديوان مشترك ) لإدريس الملياني ورفيقيه المسكيني الصغير وهناوي أحمد الشياظمي، وفيما بعد ” أول الكلام ” لمحمد بنيس. ولا يمكن أن أنسى ديوان أستاذنا الشاب إبراهيم السولامي بعنوان ” حب ” الذي سبق دواوين طلبته – أصدقائه إلى الصدور في حلة أنيقة وغلاف جميل جذاب من طبع المطبعة المهدية العتيدة بتطوان .. وهو الذي مهد الطريق لظهور معظم الدواوين المنوه إليها أعلاه.

 

ومن خارج الجامعة كان يكتب في “الصفحة” ، كتاب وشعراء من عدة مدن مغربية : عبدالسلام مصباح من تطوان ، وكان ينشر نصوصه الشعرية الجميلة باسم مستعار هو (ابن الطبيعة)، وعتيقة الإدريسي من مراكش ومحمد الشعرة من طنجة، وأحمد تسوكي من تطوان. وقد كان هذا الشاعر الموهوب ينشر بعض نصوصه التي تنشر له في صفحة ” أصوات ” في مجلة الآداب والأديب البيروتيتين، وما أدراك ما مجلة الآداب والأديب آنذاك.

 

وأغلب هؤلاء صار لهم صيت في الأدب المغربي المعاصر بمختلف أجناسه. وليسمح لي أصدقائي ومنهم الصديقة الأديبة عائشة العلوي التي أثارت بعض هذه الذكريات، أن أتكلم عن نفسي، ولكم هو سمج ثقيل الحديث عن الأنا. كنت شغوفا بقراءة القصة القصيرة وخاصة في أعداد مجلة الآداب البيروتية التي كنا نتهافت عليها لدى وصولها، فكنت أتطفل على كتابة القصة القصيرة هذا الفن الجميل الصعب المراس، فأزاحم من كانوا قد اختصوا بكتابتها ونشرها في ” أصوات “، فنشرت قصصا ثلاثا هي :” الجوع والشرف” و”السرطان” و” النسيان “، وكان أن تصدى نجيب العوفي لنقد عدد من “أصوات” كما يتم في باب الآداب الشهير ” قرأت العدد الماضي من الآداب ” ، خصصه المحرر لأربع قصص كانت كلها تتحدث عن موضوعة واحدة هي القضية الفلسطينية. فصال الصديق الناقد نجيب العوفي وجال في الدرس والتحليل والنقد، ومن جملة القصص الأربع كانت قصتي ” النسيان “، وأخرى لمحمد القماص ..

 

كانت صفحة ” أصوات ” مدرسة كتبت فيها عائشة العلوي لمراني قصة اجتماعية تربوية بعنوان “حافظوا على نظافة مدينتكم ” ، وكتب فيها العديد من الأصدقاء والصديقات الذين لم تسعفنا الذاكرة لتذكرهم الآن. المهم أن تلك الصفحة كانت المنبر الذي حبونا فيه، ورعانا بحنان وحدب مجموعة من خيرة أدباء وشعراء المغرب كما تمت الإشارة إلى ذلك آنفا. وقد انتقل بعد أن نضجت تجارب العديد ممن ذكرنا من الذين ترعرعوا في أحضان “أصوات” على نار هادئة إلى” الملحق الثقافي ” الذي يعتبر من انتقل إلى الكتابة والنشر فيه كاتبا عن جدارة واستحقاق كل في مجاله. وأشهد أن الأستاذ عبدالجبار السحيمي كان ينشر المادة الصالحة للنشر دون أن يعرف من صاحبها أو لأي جهة أو هيئة ينتسب. وللأمانة ووفاء لهذا الرجل، أشهد كذلك أنني لم أبعث إليه مادة للنشر إلا وتفضل بنشرها ما دامت تتوفر على شروط النشر.

 

إنها لذكريات عزيزة على جيلنا من معاصري هؤلاء الرجال الأفذاذ ذوي القلوب الخيرة من زمن جميل كانت تسوده قيم النبل وحب الخير للآخر ومد يد العون له من أجل الارتقاء به وتحقيق ما يتطلع إليه .. وحسب ما أذكر أن أول ملحق ثقافي لجريدة في المغرب، كان هو ملحق جريدة (العلم)، وذلك بمبادرة ثلة من المثقفين من الجريدة وخارجها، وعلى رأسهم الأستاذ عبدالكريم غلاب رحمه الله..

 

وفي ختام هذه المقالة ينبغي أن نشير إلى ميزة كان يتصف بها الأستاذ عبدالجبار السحيمي هي انغماسه في العمل الصحافي والأدبي، واستقلاليته عن الحزبية الضيقة. لقد كانت له شخصيته المتفردة رحمه الله، وكان رجل المواقف النبيلة. ويمكن اعتباره أحد الأساتذة الذين تخرج على يديه عددٌ كبير من أدباء عصرنا، ليس من جامعة من الجامعات، بل من جامعة جريدة العَلم من شعبة صفحة ” أصوات ” وشعبة ” الملحق الثقافي ” والصفحات الثقافية الأخرى كالصفحة الأخيرة للجريدة العتيدة. وقد كتب كتابات متميزة سواء على مستوى الإبداع، أو الكتابة المقالية الرفيعة المستوى، أو الأعمدة الصحفية التي كان يكتبها بأسلوب رشيق جذاب لا يمكن أن يمحوها النسيان، كعموده المعروف ” بخط اليد “، وكذلك عموده ” أيام وليال” إن لم تخني الذاكرة، وهي خؤون. وقد ساهم في إخراج منابر ثقافية ذات مستوى رفيع : مجلة “القصة والمسرح” رفقة صديقيه الأستاذين محمد برادة ومحمد العربي المساري ؛ وكذلك مجلة بعنوان: 2000 أما رائعته القصصية ” الممكن من المستحيل” ، فهي نسيجُ وحدها بين الفنِّ القَصصي في المغرب لاعتمادها بلاغةِ الإيجاز والأسلوب البَرْقي الموحي. وبهذه الأعمال الجليلة يحسب في زمرة الخالدين الذين نقشوا بصماتهم في أعماق الوجود. فألف تحية لروحه الطاهرة الباقية بيننا أبداً. وها هو الملحق الثقافي يسير على نفس نهج أستاذنا عبدالجبار السحيمي رحمه الله، وذلك على يد كاتب وشاعر شاب مجد متمرس بعالم الكتابة والنشر هو الأخ محمد بشكار الذي أنيطت به مهمة الإشراف على هذا المنبر المغربي العتيد، فكان خيرَ خلفٍ لخيرِ سَلف. وشكراً على مائدته الثقافية المتنوعة التي يقدمها لنا بكرم كل أسبوع.

 

 

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here