عندما تصبح صناعة القادة لعبة قذرة، سنتخلى عن أخلاقنا كبشر وسنغادر مشهد الحياة العادية إلى ما لا حياة، سيصبح المشهد نمطا للفوضى، فلسفة عبثية، ونظاما مخربا لكل الأشياء.
كنا ننظر إلى العبثية كفلسفة تكسر المألوف الفكري، وكفكرة هائلة تجيب عن أسئلة كبرى بطريقة خارجة عن مألوف المنطق.
ترامب نموذج صارخ لقائد أنتجته الصناعية العبثية، رجل خارج عن القواعد المعروفة، وعابث بذاته وبذوات البشرية. هو خلاصة ما يمكن تصوره من فكر يؤسس للموت، يؤثث للقضاء على سلامة الناس.
كما هو معروف لدى االمفكرين الاستراتيجيين، يؤسسون رؤاهم على قواعد محكمة، ويكرسون لمبادئ القيادة كل العناصر المتاحة مادية ومعنوية، ليثبتوا رؤاهم بدقة مبرمجين لتأكيد تلك الرؤى بنظام يستطيعون من خلاله رسم حدود المنطق الفكري، وتأثيث ذلك بإحالات ظاهرة للناس، ويحكمون قيادتهم بأيادٍ تقود المشهد البشري إلى ما رسموه من أهداف على مراحل، غالبا ما تكون طويلة الأمد.
ترامب نموذج من القادة الذين يعتمدون على عنف الفكرة، عدمية الرؤى، وبأسلوب عبثي، غارق في التلاعب بكل ما يملك الناس من إمكانيات للحياة.
هو العبث ذاته، مليء بالتناقض، عنيف في المحاورة، وقاس في الأحكام. لا تهمه الأفكار التي يبثها الآخر لأنه ببساطة رجل مريض بالأنوية، مغتصب لحق الحوار، رافض لمبدأ التعاطي، مستخدما أداة القمع ومنتهكا لشروط الحوار، يفرض رأيه الذي غالبا ما يكون نابعا من عبثيته السوداء.
لكنه أيضا قائد يتقن فن الهروب من أخطائه دون أن يقف عليها ليفندها ويصلحها أو يعترف بعدم صحتها. أسلوب حكم العبث، يعتمد على خلفية القوة، ليست القوة الفكرية بل القوة المادية، ويفرض العقوبات كيفما يشاء لأنه يرى نفسه نظاما قويا وبإمكانيات مادية وعسكرية، ترهب منها كل من سولت له نفسه أن يقف في وجهها. القوة المادية نعني بها الاقتصاد والمال. أما العسكرية فالمقصود بها الإرهاب العسكري الذي يمارسه نظام العبث من تدخل في الدولـ والسيطرة على مفاصلها وسلبها كل ثرواتها بالتهديد غالبا وبالعنف أحيانا.
من هنا ترامب هو أوضح نموذج أنتجه صناع التحكم في البشرية، وأهم لاعب عبثي بمصير العالم، والرجل الوحيد الذي يمكنه تدمير النظام العالمي ليأتي من يفرض نظاما جديدا تكون فيه قوة التحايل في التحكم أعلى درجة من العبثية الحاكمة لحد الآن.