نعتقد أن الأمل في تخفيف الشقاء عن إنسان هذا العصر يبقى مرهونا بالوجود الديموقراطي. فالديموقراطية سلوك وتخليق للحياة العامة، وقاطرة البناء الحضاري الأعلى، لا يهددها الاختلاف المشبع بروحها، ولا انجرافات الواقع الذي تعمل فيه، وإنما الذي يهددها حقا هو ذلك المرض المسمى بــ(ضغط المال)؛ الذي يريد التغلغل في شرايينها/ وتحويلها لصالحه، وهو مرض قديم. ففي جمهورية أفلاطون أدان سقراط (470 ق.م – 393 ق.م) أثينا التي نبذ فيها الديموقراطيون كل اعتدال كأنه بادرة غير إنسانية، وكل تعلق بالروح وبالقيم البناءة. ووصفها بأنها فوضى العنف والإرهاب وانحلال الأخلاق وانحطاط الثقافة. وبعد موت أفلاطون (428 ق.م – 348 ق.م) استعادت أثينا ثراءها في ميادين التجارة أكثر من استعادته في ميادين استثمار الأرض، وصار الصناعيون والتجار والصيارفة في رأس ذوي النفوذ والجاه، وانقسمت أثينا إلى مدينتين: الأولى جنة الأغنياء المترفين، والثانية جحيم الفقراء المحرومين. وراحتا تتحاربان بكل الوسائل. واشتط الأغنياء في تصرفاتهم، فراحوا يفضلون رمي مقتنياتهم الفائضة إلى البحر على مد العون للمحتاجين، وتسرب الفساد إلى الديموقراطية، وانقلبت موازين القوى، وظهر ضغط المال على التطور السياسي والديموقراطي.