كاردينال المغرب: لن يعود بإمكان الكثير من المغاربة كسب قوتهم إذا استمر الحجر

0
190

إذا كانت إجراءات العزل الصحي الصارمة التي اتخذتها السلطات المغربية منذ يوم 20 مارس المنصرم تهدف إلى الحد من تفشي فيروس كورونا المستجد، تجنبا للسقوط في بعض الأخطاء التي سقطت فيها دول قريبة (إسبانيا وإيطاليا)، وبعيدة (إيران وأمريكا)؛ فإنها عمَّقت معاناة آلاف المغاربة والمهاجرين في مختلف المدن المغربية، الذين يحصلون على قوت يومهم ودفع سومة الكراء من التسول وبعض الأعمال البسيطة التي لا تسمن ولا تغني من جوع. كثير من هؤلاء المغاربة والمهاجرين لن يجدوا بعد يومين من الحجر الصحي ما يأكلونه.
هذا ما دعا كاردينال المغرب ورئيس أساقفة الرباط، الإسباني كريستوبال لوبيث روميرو، إلى التأمل فيه في حوار مثير مع صحيفة “لاريخيون ديجيتال”، يوم السبت المنصرم، داعيا أصحاب القلوب الرحيمة إلى التضامن والعطف على من لا يجدون ولو وجبة في اليوم.

مصير المعوزين في العزل:
رغم اعتراف زعيم أتباع الكاثوليكية الرومانية بالمغرب، الذين يناهز عددهم 35 ألف شخص، بوحدة وتضامن المغاربة بمختلف توجهاتهم لمواجهة جائحة كورونا التي حصدت آلاف الأرواح في العالم؛ فإن القلق بخصوص تأثير الوباء على الفئات الهشة في المملكة قائم. في هذا قال إنه يشعر بـ”قلق كبير” على المستوى الاجتماعي؛ أنا أسمع كلمة تراجيدية تصلني عبر رسالة صوتية: “الجوع”. وتابع: “هناك الآلاف من إخواننا المهاجرين والمغاربة الذين يعيشون بفضل التسول وبفضل أعمال بسيطة تضمن لهم لقمة العيش.. وفجأة اختفت الإمكانيتان.. وبعد يومين (من العزل) لن يستطيعوا الأكل”. كما نبه الكاردينال أيضا إلى موضوع “الكراء” الذي يثقل كاهل المغاربة نفسيا وماديا في ظل الحجر الصحي، لاسيما غير المنخرطين في صندوق الضمان الاجتماعي أو غير المسجلين في “راميد”. في هذا أردف الكاردينال: “وقل الشيء ذاته عن كراء الغرف، وليس البيوت، التي يعيشون فيها.. يؤلمني هذا كثيرا؛ نحاول تخفيف المعاناة ما استطعنا، لكن الأمر أشبه بوضع رقع إطار الدراجات في عجلة الجرار”، في إشارة من الكاردينال إلى أن العطب كبير والترقيع صغير.
على صعيد متصل، أثار كبير ممثلي البابا بالمغرب النقاش الدائر حول مصدر الوباء الذي يضرب العالم، بحيث انتقد بشدة بعض رجال الدين والدعاة المسيحيين الذين يروجون لما مفاده أن الفيروس عقاب إلهي. ويرى الكاردينال أن مثل هذا كلام غير مقبول وغير معقول، قائلا: “هذا غير مناسب وغير معقول. مؤخرا كنت أسمع تفسير أحد القساوسة.. وانتهيت إلى تركه وشأنه”. واعترف الكاردينال أنه اضطر في ظل محاولة البعض نسب إلى الله أشياء تسبب فيها الإنسان، إلى توجيه رسالة إلى نحو 45 ألف مسيحي في المغرب (من بينهم ثمانية آلاف مغاربة) قائلا: “ليس من حق أي أحد تحميل الله هذا الوباء، ليس الله هو من أراد هذا! بل أكثر من ذلك لا يتعلق بعقاب إلهي! قول مثل هذا الكلام من الكفر. لا يجب أن نجعل الله مسؤولا عما قمنا به، وما يتعلق بنا، وما يرتبط بنمط عيشنا، وبطريقة تصرفنا، وبالنظام الذي أعطيناه للعالم”.
وبنوع من السخرية النقدية، قال الكاردينال إن مثل هذه التفسيرات والتنبؤات التي تُحمل الله ما اقترفه الإنسان هي التي تفسر ارتفاع الإلحاد، مبرزا: “أنا أيضا أفضل أن أكون ملحدا بدل الإيمان بـ”إله هكذا”، مشيرا إلى أن “الإله” الذي يتحدث عنه من ينسبون كورونا المستجد إلى الله “ليس هو الرب الذي جاء اليسوع ليتحدث لنا عنه ويقدمه لنا”.

انحدار الضمير الإنساني:
على غرار العديد من المفكرين والعلماء الكتاب الذي حملوا الرأسمالية والليبرالية الأزمة العالمية التي يعيشها العالم، في ظل عجز الأنظمة الصحية والحكومات في تدبير الجائحة، انتقد ممثل الفاتكان في المغرب انحدار الضمير الإنساني، داعيا إلى مراجعة النفس بالتأكيد على ما أطلق عليه أربع نصائح:
أولا، نحن جميعا جسم واحد، نوجد في نفس السفينة، ومصيرنا هو التضامن، وأنه إما أن ننجو جميعا أو نموت معا.
ثانيا، الإنسانية هي الأسرة الوحيدة التي ننتمي إليها جميعا، نحن جميعا إخوة، ولنا نفس الأب الواحد.
ثالثا، علينا إعادة بناء العالم وإعادة إقامته على أسس جديدة: على الحب والعدل، لأنه كما غنى كارلوس كانو العظيم: “بدون حب لا نساوي أي شيء، وبدون عدالة نحن في الدَّرْكِ الأسفل”.
رابعا، العالم هو بيتنا المشترك، بيت الرب، بيت الجميع، لهذا علينا حمايته فيما بيننا. خامسا، نمط الحياة الذي نحن فيه والذي نقدمه غير صالح عمليا؛ لا يمكن أن نسعى وراء النمو الدائم وحتى ما لا نهاية (كأنه سعي قوم بورج بابل)؛ هذا النموذج يعود بنتائج ممتازة على القلة القليلة.. على حساب ترك الأغلبية في الحضيض ورهن مستقبل الأجيال المقبلة؛ يجب البدء في البحث عن السعادة في حياة أكثر بساطة وتقشا وتضامنا؛ حياة نسير فيها رويدا رويدا، لكن جنبا إلى جنب لكيلا يبقى أي كان في الخلف؛ يجب أن يكون الأمر أشبه بمدرسة ميلاني (D. Milani): لا أحد يتعلم الجمع (+) حتى يتعلم الطرح (-). وفي هذا العالم الجديد يجب أن نخلق أو نعيد الخلق، بحيث لا أحد يجب أن يتناول وجبة العشاء قبل أن يحظى الجميع بوجبة على الأقل في اليوم؛ لا يجب أن يكون الدخل الفردي يصل في بلد إلى 30 ألف دولار بينما بالكاد يصل 1000 دولار في بلد آخر. لهذا لا يجب إطلاق وصف الفضيحة إذا تحدث البابا فرانسيسكو عن النظام الاقتصادي في عالمنا هذا مؤكدا أنه “نظام يقتل”.

الخوف على الآخرين:
أقر الكاردينال أنه ليس خائفا من الموت في ظل انتشار فيروس كورونا الفتاك، لكنه خائف على الآخرين، علما أن عدد الإصابات والوفيات في المغرب يبقى محدودا مقارنة مع دول قريبة وبعيدة، حيث تم تسجيل 1021 إصابة و70 حالة وفاة و76 حالة شفاء إلى حدود فجر يوم الاثنين 6 أبريل، بينما سجلت في إسبانيا، بلد الكاردينال، نحو 132 ألف إصابة، و13 ألف وفاة، و38 ألف معافى، وفي إيطاليا، بلد الفاتكان، تم تسجيل 130 ألف إصابة و16 ألف وفاة، و22 ألف معافي.
وأمام هذا الوضع يقول الكاردينال: “شخصيا لست خائفا، على الأقل على نفسي؛ ربما، نعم، خائف على الآخرين. عشت الكثير من التحديات في هذه الحياة جعلتني أنمو وأنضج.. كنت سعيدا. كل يوم أعيشه هو هبة يمنحها لي الله لجعلها في خدمة الآخرين.. لا أقول إنني أدعو الموت الشقيقة، لكن عندما تطرق بابي، وهنا لا يهم الوقت، فمرحبا بها”.
يشار إلى أن تقريرا نشرته وكالة الأنباء الفرنسية السنة الماضية، قال إن أكثر من 90% من المسيحيين المقيمين حاليا في المغرب ينحدرون من إفريقيا جنوب الصحراء. ويتوزع هؤلاء بين الطلبة الذين يتابعون دراساتهم العليا مستفيدين من نظام المنح الجامعية، وبين المهاجرين الذين حلوا بالمغرب على أمل العبور نحو أوروبا، سواء من هم في وضع قانوني أو وضع غير قانوني. كما يبلغ عدد الكنائس الموجودة حاليا في المملكة 44 يديرها 57 راهبا من 15 جنسية مختلفة، تحت مراقبة أساقفة في طنجة (شمال) والعاصمة الرباط (غرب).

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here