Home Slider site رسالة إلى الحكام المستنزفين لثروات الوطن وحاجات الشعوب – منير حامد


أيها المتناثرون هنا وهناك، أيها الموزعون في أوطانٍ غير أوطانكم بين ثنايا الهجر والتهجير والرحيل، وإلى المتفرجين أمام الشاشات؛ المسافرين في عناوين الصحف والمجلات والمتجولين بين موجات الإذاعات، قد تتساءلون من نحن؟ ومن أي الأماكن نخاطبكم؟ فاعذرونا أيها السادة إن كنا اقتحمنا مجالسكم بهمساتنا المكلومة وتسجيل شهادة أعمارنا المستقيلة، اعذرونا إن كانت كلماتنا مالحة وأجسادنا مالحة وتعابيرنا مالحة، وأحلامنا مالحة ملوحة رغيفنا الهزيل في ليلنا الطويل، اعذرونا أيها السادة إن كانت ذبذبات صوتنا تأتيكم ثم تغيب.لأننا نخاطبكم من باطن البحور المنقضة على أحلام الفقراء، نكلمكم من زوارق الموت والعذاب، نحادثكم من المراكب التائهة والمتناثرة هنا وهناك، بين أمواج الغرق نخاطبكم، من الجسور الخطيرة التي يمر فوقها آلاف الحيارى المتعبين الحالمين بالعدالة وحرية العيش الكريم، نخاطبكم من الغابات المرعبة التي تبتلع أنفاسنا عند التسلل والمرور، نخاطبكم من كل المواقع والممرات المستحيلة.. أيها الناس مرة أخرى تتساءلون من نحن؟
نحن أولئك الذين تأتيكم أخبارنا كل مرة وكل حين، نحن الغرقى الذين تصفعكم صورنا كما تلطم الملايين، نحن جيل الحرقة جيل الفارين من الأوطان، نحن الفارون من الهتاف والخطب الرنانة والكذب والنصب والاحتيال والوعود المشوهة، وزعماء لنا لم يكونوا أبداً زعماء، كنّا نحلم بمستقبل فأصبح الماضي أفضل منه، بل أحالونا على مستنقعات الانتظار، فظللنا نعانق الوعود ونجني السراب حتى لم تبقَ لنا حلول غير الفرار، فكانت بدايات الضباب وكانت نبرات أصواتنا المهمشة، وهمساتنا المبتورة إليكم كعبور لم يكتمل، ذلك لأننا نخاطبكم من بُطُون الحيتان. لسنا كنبي الله يونس عليه السلام، فيونس عاد من سفر المِحنة إلى الأرض ، ونحن عدنا إلى الله ليسألنا من المتسبب في تدميرنا، في تهجيرنا، في انتزاع رغيفنا، في قصف أعمارنا، في ضياع زماننا، في نهب ثروات بلادنا.
نحن خرجنا من الأرض بل من الحياة لكي لا نعود إلى الفقر والذل والحرمان، فانتهينا إلى أمعاء الحيتان.. لقد قالت لنا يوماً الحيتان أيها العابرون الغابرون الفقراء مالذي دفع بكم للارتماء في بطوننا وأنتم في عمر الزهور، ما لذي جعلكم تتركون الأرض وما الذي دفعكم لترك أوطانكم والتعلق بالرحيل ومغادرة الأوطان، أين الأناشيد الجميلة؟ لقد تهاوت زوارق أحلامكم بين فوضى الكلام والخطب الرنانة والنسخ المعدلة من الإعلام، لقد قالت لنا الحيتان يا هؤلاء السواح السابحون في عمق الترحال، يا شهداء أوطان تختزن ثروات السماء تمنعكم من عيش رغيد، يا هؤلاء الفارون إلى المجهول والترحال والرحيل، بشرا أنتم تشبهون. اعذرونا أيها السادة إن كان كلامنا هذا يقترب من مناطق الجنون، فلم نجد خياراً إلا زوارق الموت والمجهول، فقد احترقت من ورائنا مراكب العودة إلى تلك الأوطان التي ماعاد يهمها أن تنتهي إلى هذا المصير. تلك هي حكايات مثيرة من شباب يتكلم بمرارة عن معاناة رحلة ألمت به، وربما رسالة عزاء واجبة إلى الحكام المستنزفين لثروات الوطن وحاجات الشعوب؟