Home Slider site الفصل الأخير من ردي على الإذاعي محمد شاطر بإذاعة أرابيل بروكسل، فيما...
قراءة السطور:
يفترض في الأسئلة الكبرى خاصة تلك المتحورة حول الشرائع والديانات والفلسفات، أن تنقل القارئ -وفي حالتنا المستمع- إلى النبش بين السطور بل وبين الكلمات والحروف، لاستخلاص المعنى الذي قد يكون متواريا أو خفيا، وهو في كل الحالات معنى جديد، أو رؤية لتجديده ولو عبر طرح سؤال أو مجموعة أسئلة، تنهش جسده وقد تمزق مسلّماته لتبعث من أشلائها معنى جديد آخر، مثلما حاول ويحاول كثير من العلماء سواء من داخل منظومة الدين أو الفلسفة أو التصورات بصفة عامة، بل وحتى الدعاة من محاولات دائبة لخلخلة مفهوم الخطاب الديني لإعادة بنائه أو هدمه والتشكيك فيه. ونفس الشيء بالنسبة للفلسفات والتصورات والأفكار وغيرها، اتفقنا معها أم اختلفنا، لكنها استطاعت بمداركها أن تدخل في غمارها وتسائلها بكل جرأة وذكاء.
لكن في حالة السيد محمد شاطر -وهنا نعود معه إلى الفيديو الأول الذي خرج علينا به وهو أصل الحكاية-، فالرجل لم يأت بجديد غير نسخ ولصق نفس الأسئلة والأفكار التي امتلأت به صفحات الفايسبوك والتويتر سواء وغيرها، وأعاد صياغتها بصوته دون وضعها في نسق يوحي أنها مجرد أسئلة “مشروعة” موجهة إلى شخص محدد أو جهة معينة. فالأسئلة عادة يطرحها من يبحث عن أجوبة شافية، قد تكون تعجيزية أحيانا لكنها قد تصطدم بجواب تعجيزي أيضا، لكن عموما السؤال يبحث عن جواب، ولكي تتوصل بالجواب عليك أن تعطي فرصة للمسؤول ليجيب، لا أن تستهين به أو تسخر منه أو تنتقده حتى قبل أن يصله سؤالك. وأنا أتحدث هنا عن السؤال العادي الذي يبحث صاحبه عن الحقيقة لا الأسئلة التحقيرية أو الأسئلة البوليسية التي مفادها إلصاق التهمة أو نفيها عن شخص أو جهة، أو أسئلة أخرى من ذات القبيل.
أول ما بدأ به السيد محمد شاطر الفيديو هو نقده للمجلس العلمي ببلجيكا والمجلس الأوروبي بخصوص صيام رمضان اللذين لم يصدرا بعد رأيا فيما سماه هو “تأجيل رمضان” بينما دول أخرى -لم يحددها- اقتربت من إعلان التأجيل، ليس استنادا إلى مجامعها الفقهية أو مجالس فتواها بل استنادا إلى منظمة الصحة العالمية وأهل الطب المتخصصين، وكأن الجهات تملك حق إسقاط ركن من أركان الإسلام أو المسيحية أو البوذية، هكذا بقرار اتخذته في واشنطن أو باريس. وهذا لجهل السيد شاطر بأمور الدين وهنا أقصد الإسلام، إذ أن الفتوى التي هي رأي فقهي لا تستطيع إسقاط أصل من أصول التشريع أو أصول الدين ناهيك عن أن تسقط ركنا من أركان الإسلام. أما رأي الأطباء في مسألة الصوم فيبقى في كل الحالات رأيا استشاريا غير ملزم.
تصريح لم يوفق فيه خاصة وهو يؤكد مرة أخرى أن اتصل بإخوة وأخوات أكدوا له عزم دول على تأجيل رمضان، لم يحدد واحدا منهم.
ولخلق التباس أكثر في اقتراحه -غير المبني أصلا لا علميا ولا دينيا-، يلقي باللوم مباشرة على بعض الأطراف التي قد “تعارض” رأيه بل ووصفها بعدم الاهتمام، فكأن كل من لم يستسغ فكرته الخاطئة الصياغة والتعبير “تأجيل رمضان”، هو معارض للاجتهاد الفقهي بل وغير مهتم بالأمر أبدا، وهذا معناه في نظر السيد محمد شاطر أن المهتم هو الذي سيقبل برأيه في تأجيل الصوم. لماذا أقول رأيه؟ لأن اصطفاف صاحب الفيديو إلى رأي من يوافقون على تأجيل رمضان واضح باتهامه الطرف الآخر بعدم الاكتراث أصلا بالمسألة في حين يكون الطرف الآخر كما سماه على حق. بل وجعل من “طرحه النشاز” قضية موالاة ومعارضة، وكأنه يريد شق لحمة مغاربة بلجيكا المسلمين بطرحه هكذا سؤالا في غير محله يجعلهم يختلفون في مسألة لا يمكن أن يختلف عليها اثنان أو يتناطح عليها عنزان، لأنها ليس مسألة اختلافية تحتمل الرأي والرأي الآخر، بل وأخطر من ذلك أن بسقطته تلك سيفتح باب التصويت على باقي أركان الإسلام، ومن يدري لسبب جائحة أخرى سنجده يطل علينا بفيديو آخر يطلب فيه تأجيل الصلاة ما دام نقض ركن من أركان الإسلام في نظره جائز ما دام في ذلك حفظ لأرواح الناس.
تضمينه استفتاءه للعلماء -رجال الدين كما سماهم- رأيه الواضح في مسألة الصيام، أما السؤال فهو بالنسبة له مجرد حشو، فماذا ترك لهم بعد إشادته بمنظمة الصحة العالمية والهيئات الطبية ووزارات الصحة في الموضوع، وعدم اهتمام المصرين على الصوم، ولماذا يريد أن يحشرهم في ركن ضيق بعد أن زاحمهم بكل ما استطاع جمعه من “أدلة” لضرورة تأجيل الصوم، وكأن الصيام “الركن الرابع في الإسلام” أصبح قرار الإصرار عليه تحديا لقرارات الغرب بكل منظوماته العالمية وأطروحاته العلمية ووزاراته التي لا هم لها إلا رعاية صحة المواطنين.
هؤلاء المواطنون أيضا سيحاول تفكيك لحمتهم بعودته إلى الحديث عن الحجر، الحجر الرمضاني. حيث يشير إلى احتمال خرقه من طرف أشخاص يحنون إلى صلاة التراويح لا يتورع في وصفهم بالمتشددين، وهو وصف لا يليق بمن تعلق قلبه بالمساجد مع أن مسألة الصلاة في المساجد في رمضان قد حُسمت بشكل نهائي، فلماذا يجعلها السيد محمد شاطر ذريعة لإطلاق أوصافه التي استقاها من جهات دولية معروفة بعدائها للإسلام والمسلمين، مصطلحات يعرف القاصي والداني ما تحمله بين طياتها من معاني خطيرة وتهم جاهزة نُعتت بها الجالية المغربية في الخارج في مناسبات عدة، وهي لا تعني في حقيقة القصد إلا التطرف والإرهاب.
بعد أن أصر السيد محمد شاطر أن هذا الفيديو قد كان موجها فقط إلى مشايخ وعلماء ورجال دين، تأتي الدقيقة 5.50 منه لتفضح كذبه، إذ يقول بالحرف: “الرسالة موجهة للجميع في أوروبا، كيف ستدبرون الأمر”؟
لم يُسمّ عالما، لم يسمّ فقيها، لم يسم هيأة فتوى أو مركزا فقهيا، وجه الخطاب للجميع، وهذا يؤكد مرة تخبطه وكذبه منذ أن اصدر هذا الفيديو ليحدث البوز في أوساط المغاربة، فأنا لا يمكنني تصديق حكاية تسريب الفيديو لأنها كذب على الذقون ومحاولة فاشلة لصد ردود الفعل الغاضبة على تصريحاته غير المسؤولة وغير الملمة بأمور الدين، والتي لم يتوقع أن تكون بالشكل الذي رآه بكل تأكيد.
ختاما، لقد تم حسم مسألة الصوم هذا الرمضان في بلجيكا وأوروبا والعالم أجمعه وهذا تحصيل حاصل، إذ لم يكن واردا بأي شكل من الأشكال تجرؤ مجمع فقهي واحد على دين الله وإلا وضع نفسه في موقف السيد محمد شاطر الذي لا يمكن أن يحسده عليه أحد. فالصوم ليس مسألة اجتهادية أو محل إفتاء فتوى. لكن يبقى موقف الطب والعلم لكن ليس بمنظور إذاعي بروكسل. فالطب يراعي حالة كل صائم على حدة، وأصله القدرة والاستطاعة، وقد قتل العلماء هذا الباب بحثا وتمحيصا، ويكاد يشتمل على جميع الإجابات، فإن انعدمت انبرى لها من توفرت فيهم كفاءة العلم وشروط الاجتهاد والإفتاء.
كما أدعو إلى احترام مغاربة الخارج في كل أمورهم، الدينية منها والدنيوية، وعدم تناول قضاياهم واهتماماتهم بأسلوب الفضاء الأزرق والبحث فقط عن الشهرة من خلال تطبيق قاعدة خالف تعرف، فكم من معروف يتمنى لو أصبح نكرة لأن الشهرة لم تجر عليه إلا كل شر.
وأقول، أنا لا أطرح نفسي كمدافع عن هذا الدين أو حامٍ لحماه، فلهذا الدين رب يحميه، غني عني وعن العالمين جميعا.