يمضي العمر دون أن ننتبه إلى بعضنا البعض، نقضي كل الأوقات في الشجار والشكوى من ارتفاع فاتورات الماء والكهرباء، همنا الوحيد كيف نوفر بعض النقود، لا يهمنا أن أحدا بقربنا محتاج أو مريض أو يحتضر.
يدخل فصل ونستقبله بالزغاريد، ونودعه دون أن نعيره أي اهتمام عندما نحقق إشباعنا منه، الإنسان بطبعه يستغل كل ما يجده في طريقه، يلتهم بشراهة غريبة كل شيء، يتعلم طول العمر أن يأخذ من الآخرين ولا يفكر البتة أن يتعلم أن يعطي ولو القليل، ربما البخل هو الصفة الوحيدة اللصيقة بالإنسان دون المخلوقات الأخرى.
ها هي الثلوج تتاسقط بانسياب كبير، بحب كبير، فنهرب جميعا دون أن نستقبلها بالحضن، افتقدنا الكثير من المشاعر، نعيش حالة من الرعب في الأحاسيس، أصبحنا نبحث أغلب الأوقات عن الدفء في زوايا ضيقة، مظلمة لا تمت للإنسان بصلة، نشتري الحميمية بالمال، نشتري اللحظة وندوس على ذواتنا.
تمر الفصول، ونحن لا نشعر بذلك، تهرب الحياة من بين أيدينا، أجمل اللحظات في غفلة منا، ونحن منهمكين بالتفاهات، نبحث عن أسماء كبيرة في عالم الموضة أو الرياضة لنقلدهما في المشي ونوع صباغة الشعر، فقدنا كل ما كان يجمعنا، فقدنا البوح لبعضنا البعض، فقدنا الثقة، كل الثقة، نشعر بالقرف عندما نكلم بعضنا، نشعر بالملل، نشعر أن سراويلنا تبللت عندما نلتقي صدفة في مكان ما، لم نعد نطيق بعضنا، أصبحنا أكثر غربة بيننا.
وداعا أيها الشتاء، لم نتعلم منك كيف نجتمع على مائدة واحدة، نقتسم الرغيف والموسيقى، نرقص بهدوء تام، نغني جميعا، نردد أحلى كلمات الحب، ونتبادل القبل، آه… البيت عندما يخلو من القبل لا يعد يحمل اسم البيت، والإنسان الذي لايتشبث بهذا الحق الروحي، فإنه قطعا سيفقد صفة إنسان.
وداعا أيها الشتاء الجميل، وتوقفي يا أيتها الثلوج عن السقوط، فإننا لم نعد نستحق منك ذلك البياض.