إنَّ العمل القصصي يقوم أساساً على تقنيات سردية متنوعة، منها ما يتعلق بزاوية النظر التي تدرك بها القصة من لدن الراوي، ومنها ما يخص الطريقة التي يقدم بها هذا الراوي قصته . فأي نمط من أنماط الرواة ندرك القصة عبر وجهة نظره؟ أهو الراوي العارف بكل شيء أم هو الراوي الذي تساوي معرفته معرفة الشخصية ؟ أم هو الراوي الذي تكون معرفته أقل من معرفة الشخصية ؟، وبأية وسيلة يوصل هؤلاء رواياتهم إلى القراء؟ عن طريق الحكي (Raconter أو (العرض) Repr’senter)؟
لقد افترض تودوروف أن هاتين الطريقتين اللتين نجدهما في السرد القصصي المعاصر تأتيان من أصلين مختلفين : ـ أخبار تاريخية ـ الدراما. ذلك أن الأخبار التاريخية أو القصة هي سرد خالص؛ الكاتب فيها شاهد عاد يقص الأحداث، والشخصيات فيها لا تتحدث، والقواعد التي تقوم عليها تنتمي إلى الجنس التاريخي. أما القصة في الدراما فهي غير محكية، بل إنها تجري أمام أعيننا. وكأنني بتودوروف هنا يعيد نفس ما قاله أفلاطون حين قام في الكتاب الثالث من الجمهورية بالتمييز بين طريقتين للسرد يقوم بهما الشاعر:
الطريقة الأولى: الشاعر يتحدث بلسانه دون أن يحاول إقناعنا بأن هناك شخصاً آخر هو الذي يتحدث (وهذا ما يدعوه أفلاطون بالسرد الخالص: Di’g’sis).
الطريقة الثانية: الشاعر يحاول أن يوهم أنه ليس هو المتحدث، وإنما الذي يتحدث هو شخص ما، (وهذا ما يسميه أفلاطون بالمحاكاة ‘Mim’sis’ ويقول جرار جنيت: ‘إن هذا التقابل تقل حدته بعض الشيء عند أرسطو الذي يجعل من السرد الخالص ومن العرض المباشر نوعين للمحاكاة’.
وعلى أي حال، فإن مشكل الخطاب السردي لم يحظ بالاهتمام الكامل إلا في نهاية القرن 19 وبداية القرن العشرين في إنجلترا والولايات المتحدة على يد نقاد كبار أمثال هنري جيمس وبرسي لوبوك ونورمان فريدمان، وغيرهم ممن سنعرض إلى المفاهيم والمصطلحات التي اقترحوها ‘لوجهة النظر’أثناء عرضنا لهذه المفاهيم.
لقد ميز هنري جيمس Henry James وبرسي لوبوك Percy Lubboek بين أسلوبين رئيسيين في السرد: الأسلوب ‘البانورامي’ Panoramique والأسلوب ‘المشهدي’ Sc’nique، ويعني الأسلوب ‘المشهدي’ في نفس الوقت العرض والرؤية مع: Vision Avec(الراوي = الشخصية)، ويعني الأسلوب البانورامي، الحكي والرؤية من الخلف (الراوي أكبر من الشخصية).
وإذا كان الروائيون التقليديون يتبنون وجهة نظر العارف بكل شيء الذي يقتحم العالم الروائي، فيحرك الأحداث، ويصدر الأحكام، ويرى من خلال جدران البيوت، ومن وراء جمجمة بطله كما يقول تودوروف، ‘ويرسم الأفكار، ويكتشف الخيالات، ويجيب عن الأسئلة، ويبدد الشكوك’، كما يقول راوي دون كيشوت وهو يعني Cide Hamete. فيقضون بذلك على ما يسمى ‘بالإِيهام بالواقع’ فإن النقاد المعاصرين تصدوا لهم بالنقد، ورأوا أن هذه المعرفة تخل بهذا الإيهام، ولا تنأى عن النظرة الأُحادية، في حين أن ‘وجهة النظر’ المحدودة تكمن في الانفتاح على آفاق الحياة المتشعبة المتناقضة؛ وهكذا فقد انتقد هنري جيمس بعض الروائيين الانجليز لأنه كان يفتخر بأنه يستطيع أن يتصرف في عالمه الروائي كما يشاء، كما انتقد روائياً آخر هو’ثاكري’، لأن دوره كروائي لم يكن يعدو دور محرك الدمى، ولأن شخصياته تبدو عبارة عن دمى لا إرادة لها؛ ومن هنا تعالى نداء هذا الناقد مطالبا ‘باختفاء المؤلف من الرواية، مؤمناً بأن القصة يجب أن تحكي ذاتها، وذلك عن طريق ‘مسرحة الحدث’ أو عرضه، وليس عن طريق ‘السرد’ أو ‘التلخيص’.
يرى برسي لوبوك: ‘أن الفن الروائي لا يبدأ إلا عندما يعتبر الروائي قصته بمثابة موضوع للعرض.. وإلا عندما تحكي القصة ذاتها لا أن يحكيها المؤلف’. ويسير فلوبير في نفس هذا الاتجاه الذي يسعى إلى تثبيت دعائم الموضوعية، فيرى ‘أن الفنان يجب أن يكون في عمله الأدبي مثل إله في خلقه، غير مرئي، وأكثر نفوذاً، بحيث نحس بوجوده في كل مكان، لكن بدون أن نراه’.
نرى من خلال هذه النصوص أن الخطاب السردي خطا خطوات واسعة نحو التبلور والشعرية (يرى أرسطو أن حضور المؤلف الكثير في عمله ضد الشعرية)، على يد كبار النقاد والروائيين، حيث أنكروا اقتحام المؤلف للعالم الروائي، وحاولوا ترسيخ قضية ‘الإيهام بالواقع’ عن طريق ‘مسرحية الحدث’أو بوضعه في إطار من وعي إحدى الشخصيات من داخل الحبكة نفسها. ولكن ثمة تساؤلان يتبادران إلى الذهن، والمرء بصدد الحديث عن طرفي المشكل السردي: الحكي والعرض. أيمكن أن تكون الرواية كلها عرضاً خالصاً؟ إلى أي حد يمكن للمؤلف أن يختفي وراء شخوصه؟
يرى واين بوث wayne Booth: ‘أن معظم الروايات العظيمة شأن معظم النصوص المسرحية لا تستطيع أن تكون عرضاً خالصاً؛ إنها قد ركبت برمتها كما لو أنها تجري في لحظة واحدة، هناك دائماً ما دعاه ‘دريدن’ بـ’العلاقات’. سرد ملخص للحدث الواقع خارج المشهد’.
ويرى كذلك وهو بصدد حديثه عن مفهوم ‘المسافة’ ونظرية المؤلف الضمني: ‘أن كل سرد يخفي الصورة الضمنية لمؤلف مختبئ وراء الكواليس في صورة مخرج أو محرك الدمى أو كما يقول جويس في صورة إله غير مبالٍ، ينظف في صمت أظافره ومع ذلك، فهل المؤلف هو نفسه الراوي؟
لقد نوقشت هذه المسألة طويلاً، وانتهى فيها النقاش إلى ما يشبه الحسم بأن الراوي ليس هو المؤلف كما يقول كيزر Kayser ولكن وراء قناعه تكمن الرواية التي تحكي نفسها بنفسها. تكمن روح الرواية، الروح العارفة بكل شيء والحاضرة دائماً. يرى كيزر أن المؤلف يبدع عالم روايته، ولكن أيضاً، فإن هذا العالم يخلق نفسه بنفسه عبره، يحوله داخله ويرغمه على الدخول في لعبة التحولات لكي يتمظهر من خلاله’.
والحقيقة أن الذي يقوم على كاهله عبء تبليغ الرواية هو بدون شك الراوي الذي يعتبر صوته بحق محوراً للرواية. إننا ‘قد لا نسمع نهائياً صوت المؤلف ولا صوت الشخصيات، ولكن بدون راوٍ لا وجود للرواية’ أما المؤلف كما يرى M. Butor، فلا يعدو أن يكون مجرد وسيلة لمجيئها، القابلة التي تولدها.
ـ تحديد مفهوم وجهة النظر السردية:
يقول بوونوف واويلي في كتابهما Lunivers du roman إنه لا يحصى عدد نقاد اللغة الانجليزية، منذ برسي لوبوك إلى واين بوث مروراً بنورمان فريدمان، الذين اقترحوا تصنيفات لوجهة النظر القابلة للتطبيق على الإنتاج الروائي. كلهم تقريباً يقابلون المعرفة بكل شيء بالرؤية المحدودة، المسرحة بالسرد الخالص، ضمير الغائب بضمير المتكلم’.
لقد كانت قضية وجهة النظر من جملة قضايا التقنية السردية التي عني بدراستها منذ نهاية القرن 19، وظهرت دراسات ذات أهمية حول هذا الموضوع في نهاية الحرب العالمية الثانية، إذ وقع الاهتمام بالجمالية المقارنة بين الرواية والسينما، ومن بين من اهتم بها من النقاد Claude Edmonde Magny الذي كتب سنة 1948 كتابه الموسوم ‘بالرواية الأمريكية والسينما’، وجورج بْلاَن Georges Blin الذي أصدر بحثه الهام: ‘ستاندال وقضايا الرواية 1954 Sthendhal et les problemes du roman ، ورغم كل المحاولات التصنيفية التي بذلت لتحديد وجهة النظر، فإنها ظلت تعاني مع ذلك كما يلاحظ جرار جنيت Gerard Gen’e من غموض بين ما يسمى Mode et Voix أي بين السؤال: من هي الشخصية التي وجهة نظرها توجه المنظور السردي؟ وبين السؤال: من هو الراوي؟ أو لكي نختزل السؤال: من يرى؟ ومن يتحدث؟ فكيف حدد النقاد مصطلح وجهة النظر وما هي التصنيفات التي حاولوا وضعها له؟
في محور من محاور الفصل الذي خصصه جرار جنيت للخطاب السردي عنونه بالمنظور ‘Perspective’نجد تلخيصاً مركزاً لتصنيفات ‘وجهة النظر’التي اقترحها جل النقاد الذين عنوا بدراسة المنظور السردي، ولا يكتفي هذا الدارس بتقديم ما أنجزه هؤلاء فقط، بل إنه يقدم لنا بدوره في فصل خاص مصطلحاً جديداً هو التبئير Focalisations يقدم لنا جنيت هذه التصنيفات عبر منهج تاريخي كما يلي:
1 ـ في سنة 1943 يقترح Cleanth Brooks et Robert Renn Warnen مصطلح المنظور السردي كمصطلح مساوٍ ‘لوجهة النظر’، ويقدمان نموذجاً يضم الحالات التالية :
ـ الأحداث محللة من الداخل.
ـ الأحداث مرصودة من الخارج.
ـ الراوي مقدم كشخصية داخل الحدث.
ـ البطل يحكي قصته.
ـ شاهد عيان يحكي قصة البطل.
ـ الراوي الغائب عن الحدث.
ـ المؤلف المحلل أو العارف بكل شيء يحكي القصة.
ـ المؤلف يحكي القصة من الخارج.
2 ـ في سنة 1955 يقوم ف.ك. ستانزل F.K.Stanzel بالتمييز بين أنماط ثلاثة للأوضاع السردية الروائية:
أ ـ الوضع الذي يكون فيه المؤلف عارفاً بكل شيء.
ب ـ الوضع الذي يكون فيه الراوي هو إحدى الشخصيات.
ج ـ الوضع الذي يكون فيه الحدث مروياً بضمير الغائب حسب وجهة نظر شخصية من الشخصيات الروائية.
3 ـ ويقدم نورمان فريدمان Norman Friedman من جهته تصنيفاً أكثر تعقيداً في ثمانية مفاهيم:
أ ـ الراوي العارف بكل شيء المقتحم.
ب ـ الراوي العارف بكل شيء المحايد.
ج ـ أنا شاهد العيان.
د ـ أنا البطل.
هـ ـ الراوي العارف بكل شيء المتعدد.
و ـ الراوي العارف الواحد.
ز ـ الشكل الدرامي.
ح ـ الكاميرا.
ويلاحظ جنيت أن النمطين الثالث والرابع لا يتميزان عن الأنماط الأخرى إلا في أنهما يسردان بضمير المتكلم، وأن الفرق بين النمطين الأولين هو كذلك أمر متعلق بالصوت، بمعنى أنهما يتعلقان بالراوي وليس بوجهة النظر.
4 ـ في سنة 1961 يظهر علينا واين بوث Wayne Booth بدراسته القيمة ‘المسافة ووجهة النظر’ التي خصصها للحديث عن قضايا الصوت (Voix)؛ فميز فيها بين المؤلف الضمني والراوي المعلن أو غير المعلن ـ المتمتع بالثقة أو غير المتمتع بها.
5 ـ وفي سنة 1962 يتناول Romberg Bertil جدول Stanzel فيضيف إليه نوعاً رابعاً وهو السرد الموضوعي ‘النوع السابع عند فريدمان’، مكوناً هذا الرباعي:
أ ـ سرد المؤلف العارف بكل شيء.
ب ـ سرد وجهة النظر.
ج ـ سرد موضوعي.
د ـ سرد بضمير المتكلم.
6 ـ وفيما بعد يأتي ‘بورخيس’ فيدخل نوعاً خامساً وهو النموذج الصيني الذي يكون فيه السرد مكتوباً بريشة جد رقيقة.
ويرى جرار جنيت في ختام عرضه أنه من الأليق هنا حتى نبتعد عن هذا الالتباس الذي ينشأ عن تزاحم مصطلحي ‘الصوت’ و’الصيغة’ أن لا نعتبر إلا التحديدات الصيغية الخالصة ‘الرؤية’، أي تلك التي تتعلق بما يسمى عادة ‘بوجهة النظر’أو ‘الرؤية’Vision حسب تحديد Jean Pouillon، والمظهر Aspect حسب اصطلاح تودوروف Tzvetan Todorov.
وهكذا تصنف ‘وجهة النظر’إلى ثلاثة أصناف:
الأول: هو ما اصطلح النقد الأنكلوسكسوني على تسميته بسرد العارف بكل شيء، وسماه بويون ‘بالرؤية من الخلف’، ورمز إليه تودوروف بالمعادلة: الراوي<الشخصية، حيث الراوي يعرف أكثر مما تعرفه الشخصية أو يقول أكثر مما تعرف أية شخصية من الشخصيات.
الثاني: الراوي = الشخصية، الراوي لا يقول إلا ما تعرفه أية شخصية، وهذا هو السرد عبر ‘وجهة النظر’ حسب لوبوك أو عن طريق ‘تحديد ميدان الرؤية’ حسب بلن Blin أو الرؤية مع حسب بويون.
الثالث: الراوي >الشخصية الراوي يقول أقل مما تعرفه الشخصية وهذا هو السرد الموضوعي أو ‘البهافيوريست’ Behavioriste الذي يدعوه بويون ‘بالرؤية من الخارج’.
أما مصطلح التبئير الذي يقترحه جنيت فيصنف إلى ثلاثة أصناف:
1 ـ السرد غير المبأر أو السرد ذو التبئير الصفر، وهو الذي يبدو في السرد الكلاسيكي على وجه العموم.
2 ـ السرد ذو التبئير الداخلي، سواء كان محدوداً أو متنوعاً كما في مدام بوفاري، حيث الشخصية البؤرية هي في البداية شارل ثم إيما ثم شارل من جديد، أو متعدداً Multiple كما في الروايات التي تقوم حبكتها على الرسائل حيث يكون الحدث الواحد مستحضراً مرات عديدة حسب وجهة نظر عدد كبير من الشخصيات التي تنشيء الرسائل، ‘وهي التقنية المستعملة في ميرامار وإن كانت هذه الأخيرة لا تقوم على أساس الرسائل’. ويقول جرار جنيت: إن الشعر الحكائي’Lanneau et le livre Po’me narratif’الذي كتبه Robert Browning ‘والذي يحكي عن جريمة مشاهدة بالتتالي من طرف القاتل والضحايا والدفاع والاتهام…’ هو الذي مهد لهذا النوع من السرد.
3 ـ السرد ذو التبئير الخارجي المنتشر فيما بين الحربين بفضل روايات Dashiel Hammet، حيث يكون البطل متحركاً أمامنا دون أن نستطيع معرفة أفكاره وعواطفه.
ونخلص من هذا إلى أن التصنيفات للرواة ترتبط بالطريقة التي تقدم بها مادة الرواية، طريقة العرض التي تعتمد على مسرحة الحدث، أو طريقة الحكي التي تستند إلى الخلاصة ‘Sommaire’.
كما نخلص إلى أن ‘وجهة النظر تعني الزاوية التي ينقل الراوي انطلاقاً منها الأحداث؛ بمعنى أن هذه الأحداث لا تحكى لنا من طرف مؤلف عارف بكل شيء كما رآها هو، بل تحكى لنا كما تراها شخصية من شخصيات الرواية التي ‘تكون مركز السرد ومن خلالها نرى نحن الآخرين’ كما يقول بويون.
يرى واين بوث أن ‘وجهة النظر’تمنح الراوي رؤية داخلية، وتنقل النظرات المحدودة للشخصيات، بيد أننا نجده ـ كما أشرنا إلى ذلك آنفا ـ يقول إن الأعمال الروائية المقدمة عبر وجهة النظر، وبواسطة ‘مسرحة الحدث’ تطرح كذلك معرفة بكل شيء من طرف المؤلف الذي يركن إلى الصمت. ذلك أن اكتشافنا الجوال المتنقل لوعي 16 شخصية في رواية ‘عندما استلقيت محتضراً’ لفولكنر Tandis que jagonise وخلال امتدادها لا نرى إلا ما يحتويه وعي هذه الشخصيات. ولقد استعمل فولكنر في روايته هاته تقنية وجهة النظر المتعددة أو الرؤية المجسادية Vision St’r’oscopique، ‘فقص نفس الحدث مرات عديدة من خلال بؤر سردية مختلفة، كل فصل يأخذ كعنوان اسم الشخصية التي تروي الأحداث من خلالها’ ‘وهي نفس التقنية المستعملة في ميرامار لنجيب محفوظ ‘.
ويرى بول إيلي Paul Ilie ‘أن القارئ في هذه التقنية يجد نفسه لا في المشهد نفسه، بل في الأشكال التي يرى بها هذا المشهد. إن الشيء المنظور يبقى أقل أهمية من الكيفية التي هو منظور بها إليه’.
ولقد ربطت الناقدة اللبنانية يمنى العيد ربطاً موفقاً بين استعمال هذه التقنية وحاجة الإنسان إلى الحرية في أن يقول ما يريد قوله بنفسه دون وصاية، ‘لأن الحقيقة لم تعد في صوت الراوي وحده، بل هي في هذه الأصوات وقد تعددت، وعدالها نطقها ورؤاها’. تقول يمنى العيد إن هذه التقنية التي يختفي فيها الراوي وراء شخوصه لكي يقدم القصة وكأنها تحكي نفسها بنفسها، فضلاً عن أنها ساهمت في دفع القصة إلى تحقيق الإيهام بالواقع، تشير إلى لعبة فنية ارتبطت بحاجة الإنسان المعاصر إلى الحرية التي يعيش قمعها لتعبيره خاصة في زمن أصبحت فيه الأجهزة الثقافية والإعلامية تتولى عنه القول، وتظن أن هذه الحاجة إلى الحضور قولاً في الأدب هي ما قد يفسر تراجع الراوي وغيابه خلف الشخصيات ليفسح الكاتب لها المجيء لمسرح القول هذا.
وعلى هذا، تبقى ‘وجهة النظر’تقنية سردية تتفتح على آفاق الحياة المتنوعة، وتبتعد عن النظرة الأحادية ذات الطابع الاستبدادي التي يتبناها الراوي العارف بكل شيء.
________________
إعادة نشر.
نشر أول مرة بجريدة القدس العربي اللندنية بتاريخ 2012-09-24.