نحو قراءة جديدة للدين – د. إدريس الكنبوري

0
381

منذ عقود ونحن مهتمون بالإسلام الفكري: الفكر، الإبستيمولوجيا، النص الديني، النص المؤسس، الخطاب الديني، العقل، العقلانية، التنوير الديني…إلخ. غرقنا في الكثير من التحجر والنزعة الميكانيكية وبناء المفاهيم، لكن دون روح. صار الإسلام عندنا بنية فكرية وفلسفية لا دينا، كأننا نتعامل مع أي نص من النصوص، وابتعدنا عن الخشوع.
وبسبب هذا التراكم الذي تربينا عليه، وتربى عليه شبابنا، صرنا نتكلم في الدين الإسلامي بطريقة ليس فيها روح متحركة متفاعلة. هذا التراكم الطويل في الإنتاجات الثقافية حول الإسلام الفكري أعطانا الجرأة على التحدث في الدين، لكن دون جرأة على التعبد والتخلق.
وهذا أحد أسباب تحفظي من إنتاج الفكر العربي المعاصر، فهو فكر جامد، يخاطب العقل ولا يخاطب النفس، حتى إذا رددته بعقلك ولم ترتح إليه صار كأن لم يكن، لأن لا روح فيه. فقد قضى محمد أركون عقودا من عمره مع النص الديني والقرآن فما فُتح عليه أبدا، بسبب التحجر والنزعة الميكانية وغياب الروح، وما كتبه عن القرآن سطر واحد من تفسير الماوردي فيه روح أفضل من كل ما كتب. وغرق الجابري في العقل العربي وعندما حاول أن يكتب في القرآن كتب بكثير من الجمود كأنه يكتب مقرر الإعدادي في مادة التربية الإسلامية. وكتب آخرون أشياء لا روح فيها ولا ماء، ومنهم من حاول أن يطبق الماركسية على الإسلام فأضاع الماركسية وأضاع الإسلام.
وفي كل هذا، بدأنا بالتعامل المادي البارد مع الدين، وانتهينا بالحرج أو التعالي، فلا صلى الله عليه وسلم في كتاباتنا، ولا عز وجل، ولا رب العالمين، ولا سبحانه، وإنما هو كلام يتدفق في الورق وكفى. وكنا نقول إننا نعشق التراث، ولن تجد في التراث من يذكر الله ولا يسبح، ومن يذكر النبي ولا يصلي.
والغريب أننا كنا نطلق على هذه الأعمال إسم المشاريع. ولكن، هل يوجد مشروع فكري ليس فيه قسط من التربية؟ أي مشروع لا يبدأ من التربية؟ هل بابن رشد والمعتزلة نبني أمة؟.
إن خطبة حماسية واحدة يلقيها رجل فيه روح تهز الناس أكثر من أطنان المؤلفات لا روح فيها.
واليوم انتهى كل شيء، لا وجود لهذا إلا عند بعض الطلبة والباحثين الأوفياء للماضي، جلهم لم يقرأ هذا التراكم لكن سمع به وتعاطف معه من بعيد.
طوال العقود السابقة ركزنا على العقل. هاجمنا التراث باسم العقل. رفضنا الإسلام باسم العقل. رفضنا الأحاديث باسم العقل. واليوم اكتشفنا أننا ما امتلكنا العقل ولا طورنا التعليم ولا تقدمنا في التفكير، بل زادت خلافاتنا وتفاقمت صراعاتنا واستفحل جهلنا، حتى صار الجهال منا هم الناطقين باسم العقل، وصار العقلاء منعزلين في بيوتهم حياء.
نحن اليوم، مع هذه الجائحة التي ستكون نقلة في تاريخ البشرية، بشهادة البشر من جميع الأديان والشعوب، بحاجة ماسة إلى قراءة جديدة للدين، قراءة حية، متفاعلة، قراءة تقرأ”النص” الديني وكأنه نزل عليها. قراءة فيها العقل وفيها الخشية.
د. إدريس الگنبوري

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here