هممت بالخروج من البيت كي أتوجه للعمل.. فجأة سمعت حبات المطر تتساقط في الخارج ..كم اشتقت لجو المطر وتراقص خيوط الماء فوق الأرض والتراب..أعشق رائحة التراب ودخانه بعدما تبعثره المياه.
ارتديت معطفي الأنيق،أخذت مظلتي وانطلقت .. كنت أنتظر تغير إشارة المرور لأعبر الطريق فجأة وقف سائق طاكسي بالقرب مني معتقدا أنني أبحث عن وسيلة نقل ،ونادرا ما تصادف طاكسي صغيرة حمراء اللون في مثل هذه الظروف ..لكن يبدو أنه يوم حظي..لا لن أركب ! لن أضحي برؤية هذا الجو النقي الممتع ولا باستنشاق هذا الهواء المنعش ولا بصوت المطر فوق مظلتي وعلى الأرض يعزف سمفونيته الخالدة..
عبرت إلى الشارع الآخر ،ولم أكن بعد قد خبرت المشي فيه في فصل الشتاء تقدمت قليلا لأصدم ببرك الماء الكبيرة على جنبات الطريق ..ولم تكمن الإشكالية فقط في تخطيها بل كانت الطامة الكبرى هي إمكانية تلطيخ ملابسي بمياه تشبه مياه الصرف الصحي في اللون والرائحة كلما مرت سيارة بسرعة جنونية ..حتى بدا لي أن السيارات أصبحت تسابق سرعة هطول المطر.صرت ألتصق في كل مرة بحائط بيت أو دكان من الدكاكين والبيوت الموجودة على الرصيف ..وكلما توغلت في الطريق اكتشفت المزيد من القاذورات والفيضانات ! يا إلاهي ! يا لغبائي ! هل نسيت؟ هل نسيت اهتراء البنية التحتية ؟ هل نسيت أن مسؤولي البلدية والخدمات لا يصلحون شيئا إلا في فترة الانتخابات ؟ هل نسيت أن في المقاطعة مسؤولون آخر همهم هو الطرقات؟ ماذا يفعلون هناك لا أدري وكيف يبررون كل هذا الإهمال وهذا الانحطاط في التسيير وانعدام الخدمات ! مرت من هنا ميزانيات وميزانيات ! أين صُرفت ؟ أين حُولت؟ أين ذهبت ؟ للحسابات الشخصية والحفلات ؟
مررت من تلك المستنقعات بصعوبة ..تذكرتني وأنا شابة مرتدية أجمل بذلة كنت أملكها وأنا أمر بتلك الدروب الضيقة المؤدية للحي الشعبي حيث تقطن عائلتي والتي كنت أضطر للعبور من خلالها كي أختصر الطريق ..كان الجو ماطرا كما هو اليوم والوحل وبرك الماء تملأ الأمكنة.. كنت أمر عبرها بصعوبة بالغة وفجأة سمعت شابين كانا يسيران ورائي يتحدثان عن الفرق الشاسع بين ملابسي ومظهري وبين المكان الذي أمشي فيه فقال أحدهما للآخر “مِيريكانْ فالغيسْ! “