سَمِعَتْـكَ يَا بَحْرَ الأسَى أشْجَانِـي
تَشْكُو جِرَاحًا حَـرُّهَــــا أضْنَانِـي
إنِّي أرَاكَ بِعَـيْـنِ قَـلـبِـي بَاكِيـــًا
وكأنَّنِـي لمَّـا أرَاكَ أرَانِـــــــــي
حَتَّى كَأنَّـكَ مِنْ كِيـَانِـي نَابِـــــعٌ
مُتَدَفِّقُ الصَّبَـوَاتِ والأشْجَـــــانِ
المَـدُّ مَـدِّي وٱنْسِيَابُكَ مِنْ دَمِــي
والجَزْرُ جَزْري والمَكَانُ مَكَانِــي
فَكَأنَّنِي بِلِسَانِ مَوْجِـكَ أشْتَكِـــي
وَكَأنَّ مَوْجَـكَ يَشْتَكِي بِلِسَانِــــي
إنِّي نَثـرْتُ عَلى ِرمَالِكَ لوْعَـتـِي
حَتَّى تَرَى مِنْ تَحْتِهَا بُرْكَانِــــي
أتُرَاكَ يا بحـرَ المواجع توأمــي
في رحلتي أم أنتَ قلبي الثاني؟
ما سرهذا النبض في صدري أنا؟
خفقانُكَ الجيّاشُ أم خفقانـــــي؟!
وَلقَـدْ أتَيْتُـكَ وَالفُـؤَادُ مُعَـــــــذَّبٌ
أبْكِي عَلى مَنْ غَادَرُوا أوْطَانِــي
أبْكِي عَلَى عَهْدِ الصِّبَا فِي حُرْقَـةٍ
قَدْ مَـرّ لَمَّاحًا كَـبـَـعْــضِ ثــــوانِ
أبْكِي ديارا قد تَفَـرَّقَ أهلـُهَــــــا
فَتَجَمّعتْ فِي رَسْمِهـا أحزانِــــي
أبْكِي على مُدُنٍ تـوارى طعمُهـا
وَدَّعْتُ بَيْنَ دُرُوبِهَـا إنْسَانِـــــي
أبكي على الزمن الجميـلِ وأهلِـهِ
أبكي على الأحباب والخـــــــلانِ
مَنْ صِرْتُ بَعْدَ رَحِيلِهِمْ أحْيَا بــلا
وَطنٍ ولا صَحْبٍ ولا عُنْـــــــوَانِ
قَدْ هَزَّنِي وَجعُ الحنين فَلـمْ أعـدْ
أقوى على صبـٍر ولا سـلــــوان
وَلَكَمْ يـزيدُ الشوْقُ نارًا كلمـــــا
عانيتُهُ في الليْـل والكتمـــــانِ!
لوْ كُنْـتُ أعْلَـمُ أنَّنِي بِفِرَاقِهِــــمْ
سأضيعُ في ليل الضنى وأُعاني
لَجَمَعْتُ من كل الربوع شتاتَهُـمْ
وحبستُهم يا بحرُ في أحضانـي
أنَّى لهم،وَهُـمُ الذين تغـرَّبُــــــوا
في بُعدهم،أن يحبسوا طوفانِي؟!
أنَّى لهُمْ،أنْ يُسِْعفـوا قلبي الـذي
خَبرَ العنا أو يُخْمدوا تَحنانــــي؟!
حَتَّى عُداة الأمْسِ صِرْتُ أحِبُّهُــمْ
حُبَّ الكِرَاِم كأنَّهُــــــمْ إخْـوَانِــــي
وشفيعُهُمْ في عِـزّ عُمْري أنَّهُـــمْ
قَدَرٌ مِنَ المَاضِي الذي أبْكَـــانِــي
مَاضٍ على حَجَِر الزمان نَقَشْتُـهُ
وَجِرَاحُـهُ أقْوَى مِنَ النِّسْيَــــــاِن!