” مغرب الغد ! ” :
…
لا نحتاج أدبيات البنك الدولي لكي نقرأ المغرب، يقول العالم السوسيولوجي المغربي نور الدين الزاهي، كي نجس جسده، ونعرف نبضه،ونقف على شؤونه، من خلال معرفة علمية. هناك طبعا “المعرفة“ الانطباعية، وهناك “المعرفة“ السياسية، وما يطبعها من تنابز وسجال وافتراء والحكم بالظن…
المعرفتان“ الأوليتان لا تغنيان عن المعرفة العلمية، كما أن المعرفة العلمية لا تقدح في المعرفة الوجدانية. الطريف، يقول عالم سوسيولوجيا الأرياف نور الدين الزاهي، في لقاء جمع باحثين ونشطاء وفاعلين سياسيين، مع ثلة من الشباب، متوسط أعمارهم أربع وعشرون سنة، نظمته مؤسسة فرديرش إيبرت بالرباط،أ ن المغاربة يمكن أن ينتجوا المعرفة العلمية، ولا يحتاجون لا لتقارير دولية ولا مكاتب خبرة أجنبية، ولا استشارة دولية، ولا افتحاصات مكاتب “الدراسات“. وهل يمكن أن يصمد هؤلاء الذين يصطادون النجوم في ظل أزمة الجامعة. حثام؟ وهو سؤال جوهري.
لنبدأ بما تقول به الباحثة سمية بودخيل، من خلال لغة الأرقام:% 22 من النساء يعشن وحيدات (زهاء واحدة من أربعة)، وسبعة من عشرة أرامل أو مطلقات، و65 % أميات، والتعليم لا يؤدي بالنسبة للنساء خاصة إلى الحركية الاجتماعية مما يفضي إلى فقدان الأمل.
وتشكو أدوات التنشئة والارتقاء من عطل أو كسرLeaking“. “Pipeline/Broken Pipelineورغم
کل “المنجزات“، فلم يستطع حضور المرأة، في المشهد العام، أن يشكل كتلة حرجة يتغير من خلالها وضعها، أو تتبدل الثقافة السائدة. وما تزال النساء يعانين مما يسمى بمتلازمة المتطفل
Le Syndrome de l’Imposteur”
الذي يتبني خطاب الفئة المهيمنة. وفي هذه الحالة، تتبنى النساء خطابا غير نسوي.
هل يمكن أن نكتفي بإصلاح بعض الأدوات القانونية، ومنها مدونة “الأسرة“، من دون مواكبة للتغيرات الاجتماعية التي ليست في صالح المرأة، تقول الباحثة.
نور الدين الزاهي، من خلال دراسة خاصة في حوض سایس، ينتهي إلى نتيجة مروعة، وهي اندحار الطبقة المتوسطة، وهي صمام أمان المجتمعات.ارتقى أفراد، من داخل فئة الطبقة الوسطى، واغتنوا،وأضحوا ضمن فئة الأثرياء الجدد، وغشوا بعضا من الواجهات السياسية، ولكنهم لا ينتجون لا أفكارا، ولا تصورات .
اندحرت الفئة المتوسطة، رغم أنها عرفت اغتناء بعض عناصرها. أما مصطفى اليحياوي المختص في الجغرافية السياسية، فخلص إلى نتيجة مقلقة، من خلال رصد للتطور الديمغرافي، وهو عزوف الشباب عن المشاركة السياسية، وتأرجح الفعل السياسي ما بين الاحتجاج، والرفض والتشويه، لا شيء عن التحليل …
لا شيء عن التحليل، أو البرامج، أو الارتباط بسردية، أو بالقيم الناظمة للفعل السياسي، من عدالة اجتماعية، وأدواتها، والحرية وسبلها، والكرامة وما قد ينتقص منها.
السياسي محمد الساسي وقف على عوائق ثقافية لم تتخلص منها السياسية في المغرب، منها الطابع الأبوي الذي يسمها والمفهوم الضيق للوطنية الذي يشينها .
أكتفي بهذا القدر لكي أقول إن هناك فئة تفكر، ولو أنها لا تدبر، وتطرح الأسئلة الجوهرية، وتجد تعطشا من قبل جيل جديد. قد نكون على مشارف مرحلة جديدة، بعد انتخابات
شتنبر2021،
تحتاج إلى تصورات جديدة، وإطارات مغايرة، ونخب غير التي طبعت المشهد السياسي إلى الآن.
ونحتاج إلى قواعد في الحوار، غير أدبيات جدلية «الذيب الشارف والحمير» التي سارت بذكرها الركبان، وتسيء إلينا جميعا. نحتاج إلى مفهوم للوطنية غير الذي دأبنا عليه، فالوطن ليس خليلة، وقد يكون للبعض الذين يكثرون الخليلات، والولاءات، والجوازات، ويغيرون التوجهات بل الولاءات، حسب الأهواء والأنواء.
الوطن هو بمثابة أم، نحبها لما هي عليه، نحبها ولا نجد لها عديلا. نحبها، غير عابئين بتقول المتقولين، وإرجاف المرجفين. ثم نحن في حاجة لثقافة جديدة، تنبني على المواطنة الحق، وليس مجرد شعار، ولن نبينها إلا إن تحررنا مما يعوقها، ومنه الثقافة الأبوية، أو الأبوية الجديدة.
مؤلم حقا هذه الطاقات التي يمتلئ بها المغرب، وتدور في حلقة مفرغة، لأنها لا تعرف من أين تؤكل الكتف. أما الذين يعرفون من أين تؤكل الكتف، فهم من يدبرون ويفكرون“، حسب هاته القاعدة التي رصدها البحتري في بيت كأنه يحدث عن واقعنا: متى أرت الدنيا نباهة خامل // فلا ترتقب إلا خمول نبيه
وهي مأساتنا. الشخص غير المناسب في المكان المناسب. وما ضرنا أن نقلب الآية، ونجعل الخامل حيث يجب، والنبيه حيث
ينبغي، في مغرب الغد. هو ذا الرهان.