كاتبة مغربية مقيمة بفرنسا:
ولدت وتربيت وحيدة وكنت أحتفل بأعيادي ونجاحاتي بين شخصين لا ثالث لهما، أمي وأبي.
واجباتي كنت أقوم بها وحيدة، وأذهب إلى المدرسة وأرجع إلى البيت وحيدة، فألقي التحية على أمي وأقبلها ثم أدخل غرفتي وأجلس إلى مكتبي لأقرأ لوحدي.
كان بيتنا هادئا إلا من صوت باب يفتح هنا أو نافذة تغلق هناك، لا تسمع فيه صوتا لطفل يجري ويضحك ولا حديثا بين أفراد العائلة. في إحدى ليالي السمر الصيفية، كانت أمي تصر على أن أنام قبل السابعة مساءا وأن أستفيق قبل السادسة صباحا، كنت أستلقي هناك في غرفتي، أغمض عيني في انتظار النوم الذي يتأخر عادة. وبما أنني لم أكن أستطيع أن أضيء الغرفة للقراءة والكتابة كنت أكتب قصصا في مخيلتي، فاليوم أحرر فلسطين وغدا أجول حول العالم وبعده أعيش أميرة في قصر من قصور الأندلس، كم كان خيالي واسعا، كان يجعلني أخرج من الغرفة وأحلق حول العالم أسافر وأستكشف وأرجع إلى تلك الغرفة لأنام، وقد نسيت أنني طفلة وحيدة.
مع الأيام أصبح ذلك الركن في مخيلتي نفقا صغيرا يخرجني من سجن غرفتي إلى العالم، وزاد خيالي اتساعا، كانت ابنة خالي عندما تأتي للمبيت عندنا تحب أن تسمع حكاياتي التي كنت أنسجها من خيالي، كانت تتابع القصص التي كنت أرويها لها بشغف، وعندما كان النوم يغالبني كانت تترجاني أن أكمل القصة، فكنا نقضي الليل في حلم مشترك، كنت أعطيها في روايتي دورا أساسيا وكنت أصحبها معي إلى ذلك العالم الذي كنت أذهب إليه كل ليلة دون أن ينتبه إلي أحد.
اليوم وبعد أن كبرت تلك الطفلة اكتشفت أنها تحن إلى عالم الخيال الذي كانت تهرب إليه.
نظرت إلى الكتب والدفاتر أمامي والحاسوب الذي بدأ الضوء يخف من شاشته، جلستُ وحيدة بطاولة مخصصة لأربعة أشخاص بذلك المطعم المكتظ، نظرت إلى النافذة فلمحت انعكاس ملامح وجهي على الزجاج، حاولت أن أَجِد طريقا لذلك العالم الذي كنت أهرب إليه صغيرة لكنني لم أستطع، غمرني إحساس غريب، موجة حزن وحنين، إحساس بأنني في المكان الخطأ والزمان الخطأ، إحساس مغتربة تخاف أن تجري بها السنين فتنظر إلى زجاج النافذة نفسها وتكتشف أنها تقدمت في العمر بعيدة عن وطنها، وحيدة بين الغرباء.