محمد كنوف.. هل تسمعني؟؟! كيف حالك يا صديقي فقد طال غيابك والكل مشتاق إليك.
مضت خمسة أشهر ولا جواب منك أو خبر عنك، أرجو أن تكون بخير، أعلم أنها نوبة المرض المباغتة، رزقك الله أجرها.
منذ أن غبت ورسائل السؤال عنك لا تتوقف، من المغرب والجزائرو تركيا وبلجكيا وألمانيا، الجميع اشتاق إليك. ومع كل سؤال عنك يتجدد شعوري بصدق قولك لي إنني أكثر من يذكرك بمحمد كنوف في ريعان شبابه وأني أشبهك في الروح المحبة والشغوفة بالمعرفة أكثر من بناتك، كما شبه أصغر أبنائك أباك، الرجل الصالح رحمة الله عليه فناديته بابني الذي هو أبي.
التقيت بك في حلمي في المغرب، كنا في رحاب زاوية اكتظت بعلماء الصوفية، يرتدون جلابيب مغربية، وقد حملتني على جناح أبيض وجعلتني أراهم من فوق. يالها من فسحة.
هل تتذكر رحلتنا إلى بروكسل؟ هل تتذكر الطريق التي توقفنا بها فجأة وذهبت تصلي فيها ركعتين. قلت لي بأنك شعرت بحاجة ملحة إلى ذلك، وأنه بعد الركعتين أصبحت طريقنا ممهدة بالأنوار، تقبل الله منك.
هل تتذكر كيف قضينا نهارنا وأمسنا مع أحمد حضراوي ومصطفى؟ هل تتذكر حديثنا عن اسم الله الجامع؟ هل تتذكر حملك لحقيبتي وأنت تقول ما أجمل الذكريات وتوصيني ألا أنسى هذه اللحظات، خاصة حين رأيتك عجوزا لا تقوى على الحركة؟ قلت لي تذكري أني يوما ما كانت في صحة وقد حملت عنك حقيبتك، بصراحة تدمع عيني كلما تذكرت ذلك.
هل تتذكر حين زرتني ببيتي؟ يومها بكيت بحرقة قبل قدومك بساعة لضيق مر بصدري، وقد اجتهدت في إخفاء انتفاخ العينين بمستحضرات التجميل لكي لا تراه. أعلم أنك شعرت بذلك ومع ذلك جميل هو التغافل.
هل تتذكر لوحة سورة يس المعلقة في بهو الضيوف؟ حكيت لك كيف أني حين اشتريتها وأردت إحضارها معي من المغرب لألمانيا وذلك عبر إسبانيا، صاح الجميع معترضا لكونها ذات حجم كبير سيتعبني في سفري، وقد تتحطم حين لن أقوى على حملها. نظرت إليها وقلت في نفسي سورة يس قلب القرآن، مانعة ما علمناه وما لم نعلمه من الشرور ومقربة من الخيرات والنور، كيف وهي تحمل عنا الهم والضيق أكون غير قادرة على حملها، مستحيل؟ أذكر أني وأنا على متن الباخرة التقيت بسيدة وبرفقتها طفلة تجرها في عربة. كانت وجهتنا واحدة وكانت تلك العربة خير جناح لي من غير ميعاد، إلى درجة أني نسيت أني أسافر بلوحة كبيرة.
هل تتذكر جولتنا في غابة مدخل دارمشتات، تلك المدينة التي تحب، والتي مر بها أحد الأولياء القدماء وبات فيها ليلة قبل إكمال سفره نحو روسيا والأناضول في الزمن البعيد. منذ ذلك الحين وأنا أسمي تلك الغابة بغابة ال 50 ألف صلاة، بعد أن قصصت علي كيف كنت تذهب كل يوم إثر انتهاء دوامك تجلس فيها وتصلي على رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسين ألف صلاة، حتى جاءك زائرا في المنام يحييك ويقرئك السلام ويشربك ماء زمزم بيديه. جميل هذا الحب وهذا اللقاء وما أكرم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وغريب هذا التلاقي في الفعل. فأنا مثلك، لا أظن أنه يوجد شارع أو درب في دارمشتات أو ديبورغ لم أمر به لمرات ومرات أصلي فيه على النبي صلى الله عليه وسلم وأسبح الله الملك، هي متعة لا يدركها إلاّ من عاشها.
حين أطالع صور تلك الجولة أشعر بالسلام والهدوء الذي شعرنا به حقا معا، وأتذكر الحلم الذي قصصته علي. قلت لي أنك رأيتني وأنا أرتدي عباءة حمراء فاخرة وبأني أخبرتك بأن هذا حالي مع الأمراء والملوك. لا أعلم ما قد يكون تفسيرها، لكن الملوك هم أحبابي، وأحبابي هم أهل المحبة والنور أمثالك ومن هم على درب الصالحين، جمعنا الله وإياهم اليوم وغدا وكل يوم.
لماذا أكتب كل هذا؟ فقط لأني كغيري اشتقت إليك، كن بخير دوما حتى نلتقي قريبا إن شاء الله. رزقك الله الصحة والعافية.
طفلتك مريم.