كانوا صبياناً وبناتٍ.. رأيتُهم وهُم يَنمون معا في البيت الكبير كأشقّاء؛ يلعبون ويمرحون.. في المناسباتِ السعيدة كانوا يسرِقون الكعك معاً، يختطفون حبّات اللوز المقلي مِن طبق “السلّو” معاً، ينحشرون معاً تحت الموائد، يفجّرون البالونات الملوّنة التي يُزعزع صَداها رِكابَ النساء..
أيامَ الأعيادِ كانوا يتنافَسون على شِراء الملابس الجميلة، يتباهون بها نهارَ العيد، ويفتخرون بما حصلوا عليه مِن نقود العيدية التي كانوا يصرِفونَها، معا،ً في شراءِ نفس النوع مِن الحلويات والعلكة والبَسكويت والسكاكِر..
وفي الجنائز والمناسَبات الحزينة، كانوا يفكّرون بعقلٍ واحد، وبلسانٍ واحدٍ كانوا يتساءَلون: لِم يتعارَك الكبار؟ لِم يرفعون أصواتَهم؟ لم يشتمُ بعضُهم بعضا؟
وعندما كانوا يتعبون مِن التفكير، كانوا يَقصِدون المطبخ الدافئ بنيران المواقِد ودُخان الطَناجر، يَستعيرون نظَرات الحِملان لتتكرّم عليهم الطبَّاخة بكسرَة خبز محشوة بما تيسّر مِن لَحم أو دَجاج..
في العطلة كانوا يتمرّغون في التراب معاً، يبنونَ قُصوراً من الطين، وقناطر لأسراب النّمل، يُطاردون القِطط، ويرشُقون الكِلاب الضالة بالحجر.. يقرَعون أجراسَ المنازل ويفرّون معا..
كانوا يذهبون إلى المدرسة معاً، الأصغَر فيهِم يستنجدُ بالأكبر، والأكبرُ يمنَح كتُبه وأدواتِه للأصغَر.. وللأهلِ كلُّ واحدٍ منهُم ينقُل أخبَار الآخرين أولاً بأول..
لقد كانوا أشقاء وأبناء عمومة، أغصاناً لشجرة مباركة، سقاها جدّهم بكل حب ورعاها لسنين طوال..
ثم كبروا فجأة وصاروا مُختلفين؛ منهم الناجِح والفاشل، والمتعلّم والجاهِل والغنيّ والفقير… فيهم سكان القصور وفيهم سكان البراريك. فرقتهم المصالِح، وصراعُ الآباءَ على الأموال، فنُهب المستضعف منهم، وقُهِر اليتيم.. صاروا أشبه بحيتان يأكل الكبير منها الصغير.. صاروا أعداءً لا تجمَعهم المناسبات السعيدة، ولا تشفَع فيهِم بهجةُ الأعياد ولا أيام الصُحبة الطيبة.. وإن حدَث وأُرغموا على حُضور المناسَبات الحزينة معاً، فإنّهم لا ينفكون يتَعاركون ويرفَعون أصواتُهم ويشتِم بعضُهم بعضاً..