نهى الزيني تغوص في المسكوت عنه في قصص “اغتسال “- السيد الزرقاني

0
847

أصرت المستشارة “نهى الزيني” أن تقتحم كل القضايا المسكوت عنها في علاقة الرجل بالمرأة في مجموعتها القصصية “اغتسال” التي صدرت عن دار “مريت” بالقاهرة في 100 صفحة لتأخذنا إلى عالم الأسرار والمشاعر المتناقضة أحيانا والمشتعلة أحيانا أخرى، حيث تناولت العلاقة الإنسانية بين الرجل والمرأة في صورها المتعددة، حيث بدأت في رسم لوحة شديدة الإبداع في بداية المجموعة حيث تقول: “يأتي الربيع فتشدو الذكور بأهازيج التزاوج، تسمعها الأنثى فتترك بيتها، تغادر حضن أمها وترحل عن قبيلتها، تهاجر من مدينتها، تشرد عن ظل أبيها، تتنازل حتى عن اسمها. تأتي المرأة لتتبع رجلها، تترك المرعى الخصيب والكلأ القريب، تسافر إلى الهجير، تقطع الصحاري والوديان. تأتي المرآة تخلع وشاحها، تنزع حجابها تحل ضفائر شعرها، تأتي المرأة لتسلم قلبها، تسلم جسدها إلى رجل”.
الرجل عند نهى الزيني يمثل الأمن والأمان، فاذا غابت تلك الصورة الناضجة في الفكرة والمعني فهو يدافع عنها أمام كل الذئاب في كل الأحيان، فإذا تقاعس الراعي عن حماية القطيع عند عواء الذئاب، إذا سقطت العصا من يديه سترحل المرأة، حتما تبحث عن ذاتها ولن ترهف مرة أخرى إلى عزفه لأنه ماعدا رجلها، “ترحل المرأة لتبحث عن راع لا يهرب حين يسمع عواء الذئاب”.
 تمتلك الكاتبة ملكة خاصة في الانتقال بالقارئ من شاطئ لشاطئ آخر في معزوفة رقيقة في قصة “اغتسال”، والتي حملت المجموعة اسمها. وهنا نجد اللمسة الأدبية والبلاغية في تطور تلك العلاقة الحميمة بين الرجل والمرأة التي استسلمت للرجل في ليلة الدخلة في حياء بالغ وحب ممزوج بالمتعة فيما بينهما، تغوص الكاتبة في أعماق تلك العلاقة وما تكنه من دوافع بشرية في عقل ووجدان الرجل، حين يعاشر زوجته في أمنيات بالإنجاب واختيار أسماء معينة في دعابة بينه وبين معشوقته وحبيبته، وتخيل هؤلاء الأولاد في أرجاء منزله بعد سنوات. وهي الأخرى تغمض عينيها وتسجل تلك الأحلام أيضا. ومع مرور الوقت تتبخر تلك الأحلام وتتحول العلاقة إلى روتين يومي ثم أسبوعي أو شهري لا طائل منه حتى تصبح عبئا ثقيلا ربما يؤخرهم عن النهوض لصلاة الفجر لعدم اكتمال “الاغتسال”، وحين يصر ذاك الرجل على إحراجها ،كانت صرختها لأول مرة “طلقني”. الكاتبة لها بعض القناعات غير تلك التي نشأت عليها معظم البنات في مصر وتصر على طرح قضية هامة كانت تؤرق الكثير لأنهم تجنبوا الحديث فيها خوفا من فتح أبواب جهنم عليهم حيث طرحت قضية “زواج المتعة” في قصة لا تنقصها الجرأة والحبكة الدرامية والسرد الادبي البديع، الذي حافظت “نهى الزيني” عليه عبر تلك المجموعة القصصية من خلال تلك العلاقة بين “فتاة مصرية سنية ورجل بحريني شيعي”، ومن هنا فتحت الباب لمناقشة هذا الجدل الدائر من زمن بعيد بين الوهابيين والشيعة في شبه الجزيرة العربية، وأن النفط الذي ظهر هناك ما هو إلا وسيلة أفسدت حياة الكثيرين التي باتت المتعة النسائية عندهم هي الأهم في حياتهم العامة والخاصة، وبات في يقينهم الوهابي أن المرأة خلقت فقط للمتعة وليس لشيء آخر، وأنها من الأشياء الدنيا في حياة الرجل، كانت نهى الزيني حاضرة بثقافتها الدينية وتمردها على الكثير من المسلمات لدى أهل السنة، وظهر ذلك في الكثير مما كتبته في الصحف المصرية بشكل أو بآخر أو من خلال كتب أخرى صدرت لها، كانت تلك العلاقة العاطفية التي نمت وترعرعت بين تلك المرأة المصرية التي سافرت إلى بلد آخر للتدريب أين تلتقي بشاب شيعي ترتبط به عاطفيا حيث توطدت العلاقة بينهما من خلال مناقشات حول جدلية المسلم السني والمسلم الشيعي التي دائما يعزف الاستعمار عليها لتعميق الشقاق والخلاف بين فرق المسلمين لإراقة دمائهم كما نرى اليوم في العراق واليمن وسوريا، الكل يستحل دم الآخر بشكل لم يسبق له مثيل في التاريخ العربي والإسلامي، وتأذنا إلى زاوية أخرى لتطور تلك العلاقة ص48 “بدا غريبا عنهم فأضاف ذلك إليه مزيدا من الجاذبية، ولم تكن قد التقت في حياتها ببحرينيين فسألته في وله: هل جميع أهل البحرين مثلك؟
 ودون أن تنتظر الجواب استرسلت ضاحكة وقد احمرت وجنتاها اشتعالا وليس حياء، هل البحرين مليئة بكل هذا الجمال؟ ابتسامته مفعمة بالرضا وبرجولة مشبعة بسحر يستعصي على المقاومة.
 يطلقون علينا الأعاجم ربما لأصولنا الإيرانية، ورغم أن غالبية أهل البحرين من الشيعة إلا أنهم ألصقوا بنا هذه التسمية ليبرزوا من خلالها ما يمارسونه ضدنا من أمور”.
 فبرغم تلك النيران المشتعلة الجسد من حب ورغبة، حين أمسكها وضمها إلى صدره في ليلة باردة، كانت هي في أشد الاحتياج إلى دفئه. وحين حدثها عن “زواج المتعة” انسحبت فورا من بين يديه لأن الزواج عندها “حب عميق وسكن واحترام وطمأنينة وبيت وأبناء وحياة متكاملة تدوم بين اثنين بحلوها ومرها، وليست مجرد لقاء عابر لإطفاء لهيب رغبة طارئة مهما بلغت قوتها.

كانت الحكمة حاضرة في إبداع نهى الزيني من خلال إنصاف المرأة في هذا الصراع العاطفي ونجحت في رسمه في صورة إبداعية في النهاية الحتمية التي اختارتها المرأة المصرية حين قابلت هذا الشاب مرة أخرى في المنامة بالبحرين بصحبة زوجته، وذرفت الدموع من عينها ليس ندما على عدم إتمام “زواج المتعة”، وإنما على “صدر امرأة هجرها رجلها لانتهاء مدة زواجهما بعد أن تمتع بها”.
لتكن صرخة في وجه هؤلاء الذين لا يرحمون قلب امرأة أحبت بصدق؟
 تلك المجموعة تحتوي على عشر قصص كلها معزوفة على وتريات الرجل والمرأة في علاقات متعددة تختلف باختلاف الزمن ومرور العلاقة بينهما، وتطورها سواء بالشكل السلبي أو الإيجابي، إلا أنها كانت حريصة كل الحرص على إظهار هذه العلاقات في شكلها المرضي لها ولثقافتها الدينية والقانونية، حيث تقول “اللذة والألم وجهان لعملة واحدة، تربط بينهما نهايات أعصاب لا تفرق بين هذا الشعور وذاك، حين يصل أيهما إلى ذلك العمق، فيمتزج الشعوران ليصنعا معا تلك النشوة باللذة أو النشوة بالألم “.

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here