لست أدري ما يمكن أن اقوله على ما حاولتُ نقله إليكم ممّا قرأته على أوراق المعلّم، وأنا حذر من أن أدعي الدقة في ما نقلت. هذا ما رأيته: رجلاً عاش نظالاً إجتماعيا طويلاً. تعب جسده، ولكنّه لم يستسلم، ولم يستقل عقليّا ولا انفعاليّا، وهو يتجه إلى أولاده، وإلى أبناء جيلهم، ويرسم لهم، بصدق ظاهر، وبعفويّة متحرّرة، ما يشبه شهادة حياة فكريّة، بما فيها من تناقضات، وتحوّلات، وانقلاب على المعتقدات الفاسدة السائدة، وعلى التقاليد البائدة، وعلى القيادات الدينيّة والسياسيّة والإجتماعية المنوّعة، وقد صنع الكثير منها عبر نشاطه التعليميّ والتربويّ الطويل. وصانع الأصنام لا يعبدها، وبخاصة إذا خرج شكل الصنم عن حدود ما كان يجب أن يجمّله، فمن الطبيعي أن لا يعبد الأصنام التي من صنع غيره، أو الأصنام التي شكّلتها الزلازل الطبيعيّة والمصادفات العشوائيّة، فانتصبت ملوكاً، وأمراءً، وحكاما هنا، وعرّافين، ودجّالين، ومنافقين، وتجّار دين هناك، فغطّت بشاعتها جمال الخلائق البسيطة الصادقة.
والافت في تعاليمه أنّه لا يفرض حقائقه على أولاده ومريديه من أبناء جيلهم، بل يدعوهم أن يذهبوا هم إلى البحث عن حقائقهم، وإلى جمع معارفهم وعلومهم، كما جمع ما له منها بجهده وسعيه. لقد قال عن نفسه إنه عقلٌ ذئبٌ، ويبدو لي أنه كان صادقا. إنه هكذا. لا تقترب منه إذا كنت مدجّنا.
من كتاب: لُمعٌ من فكر معلم
تأملات وتعاليم على أوراق مبعثرة