الكتابة: شجاعة أم مغامرة- بشرى إملوان

0
224

لطالما اعتقدت ان الكتابة حكر على فئة من الناس يأتيهم الإلهام الرباني أو الفتح الإلهي لهم وحدهم ودون سواهم.هل يمكنني الكتابة كوسيلة لتفريغ ما يخالج نفسي من أحاسيس ومشاعر، وما يلفت نظري صباح مساء من ظواهر كونية وانسانية ومن عقبات تعترض طريقي، ولا أبوح بها إلا لبعض الاصدقاء وقد احتفظ بها لنفسي حتى أنساها أو اتناساها مع الزمن. إن الكتابة على ما أعتقد ليست أمرا سهلا بل يحتاج الى شجاعة.أجل هو كذلك!  اذا كتبت سأكتب عن نفسي وانا لا اريد ان يعرفني  الجميع  فانا كتومة بعض الشيء .إن كتبت سأكتب عن من حولي وقد يساء فهمي،كما يحصل في كل مرة مع اناس اعتقدت انهم اصدقاء ولم يكونوا كذلك على أية حال.هل أجرب؟ ربما سأتحرر من قيودي ومن خجلي ربما ساتصالح مع نفسي وافهمها أكثر … سأبدأ وسأرى ما الذي سيحدث؟.

سأكتب عن القراءة وماخلفته في نفسي من أحاسيس عذبة خلال طفولتي .لم نكن نسافر كثيرا  او لنقل كنا نسافر قليلا جدا. كان والدي لا يحب السفر على ما أعتقد.او ربما يجده مكلفا. كل ما اذكر انه كلما جاء الصيف كان يشتري لنا قصصا كثيرة، وكنا نمضي الصيف بأكمله في قراءتها ورسم شخصياتها. بعدما كبرنا قليلا، كان يطلب منا ان نقرأ كتابا كان يحبه كثيرا اقتناه من الخارج عن تعلم الفرنسية. ذلك الكتاب كان يشعرني بالخوف  بأوراقه الصفراء و صوره عن فرنسا ،برج ايفل وقصص لفكتور هيجو….كل شيء فيه كان يشعرني بالخوف .كان يطلب منا ان نلخص ما قرأناه كل يوم ونناقشه معه.كنا نتهرب ونتمنى ان ينتهي الصيف ونعود للدراسة بدلا عن قراءة ذلك الكتاب المرعب. ليست به رسومات للاميرات ولا ألوانا   تأخذني لعالم الخيال. كان يشعرني بعالم موحش وبشع قد ينتظرني إن أنا كبرت. والدي كان يحرص على تعلمنا للغة الفرنسية من خلال ذلك الكتاب الذي يذكرني ببشاعتها. لطالما ارتبطت هذه اللغة أيضا بمعلم الفرنسية الذي أحبه والدي وكم حرص على ان نتعلم على يديه. معلم بمعايير وقتنا الحالي كان يحتاح الى علاج على يد خبير في الطب النفسي، وأعتقد انه لم يكن  ليشفى رغم ذلك.كان يضع من يخطئ في الإجابة في سلة القمامة ويلقي به من النافذة، وقد يضع آخر وراء الباب ويقوم  بالضغط عليه حتى  تخرج أنفاسه من كثرة الإستغاثة وهل من مغيث! المهم حمدت الله أنني لم أكن ولدا آنذاك ،لأن عقاب الفتيات كان أهون.لم أجرؤ أن أقول لأبي أنه كان يضربني رغم مساعدته لي في حل كل المسائل. على الساعة الثامنة كان يمر ليرى ما أنجزناه من تمارين. عندما كان يصل الي وقد رأيت أن الكل قد أخذ نصيبه من الضرب للحصة الأولى وأريه بكل فخر ما ساعدني والدي فيه كان يضربني متعللا أن الطريقة التي أنجزت بها التمارين لم تعجبه. في أحد الايام ضربني بمسطرة خشبية على رأسي. أذكر حينها أنني غبت عن الوعي و لم أعد أرى إلا السواد لمجرد أنني وضعت حرفا بعد النقطة بالمينيسكيل ..لقد كنا نرتعب في كل حصة وننسى كل ما حفظناه ! يا إلهي ذهبت بعيدا لمجرد ذكري للغة الفرنسية. بعدما كبرنا أكثر لم يعد والدي يذكر ذلك الكتاب بل ترك لنا المجال لنقرأ ما نشاء من روايات..كم كانت أياما سعيدة، كنت أنتظر الصيف على أحر من الجمر كي أقرأ لنجيب محفوظ وأنيس منصور ولكل من كان يقع بين يدي  . تعلمت بعد ذلك أن أقرأ في كل الأوقات ..

كنت أشعر أنني أسافر وأنا لم أبرح مكاني وكنت أتمنى أن أزور العالم لأرى ما رآه وشاهده غيري .. كما كنت أتحدى إخوتي أنني سأزور أستراليا في يوم من الأيام بالرغم من أنها أبعد نقطة بالنسبة لنا جميعا ..

لكني لحد الآن، لم أزر بعد أستراليا علي التفكير في الأمر مستقبلا على ما أعتقد!

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here