قَرْيَـــة الـنّــمْــل ــ حسن منصور

0
772

خَــــرجَ النّــمـلُ في نَشاطٍ يَجـولُ || حَـولَـه الْبـيدُ والــرُّبَى والْحُـقــولُ
حــوْلهُ الأرضُ قـدْ ترامى مَـداها || ولَـــه في أكْــنافِـــهــــا تأْمــــيـلُ
فـــتَراهُ يســيـرُ صـفّــاً طَـــويــلاً || نَـسَــقٌ فـــيهِ دِقّـــةٌ وشُـــــمــــولُ
في رحـابِ البـيْـداءِ يَمْشي مُجِـدّا || ومِــنَ الْجِـــدِّ صــاحــبٌ ودَلـــيـلُ
مُســتَـهــامٌ مُـــثـابـرٌ لا يُـبــالِـي || إنْ تـنَــاهَى أوِ اسـتَـمــرَّ السّـبـيـلُ
قـطـــعَ الأرضَ كلَّـهـا والْفَــيافِي || وتـساوَتْ حُــزونُـهــا وَالسُّهــولُ
عـامـلٌ في مَناكبِ الأرْضِ ساعٍ || آكِـلٌ مــنْ خــيْراتِهـــا مــا يَـنـــول
حـيَـوانٌ ضَـئــيـلُ جِـسْـمٍ ولكــنْ || ليْسَ مـن طَـبْعــهِ الصَّنـيعُ الضَّئيل
يذْرعُ الأرضَ طاغِـياً في خُطاهُ || أيــنَ مــــنـهُ جَـــبابِـرٌ وفُـحــــولُ!
*****
ما تَزالُ الـرِّحـابُ فـيـهـا اتّساعٌ || في رُباهــا للـنّـمْـلِ خــيـرٌ جَــزيل
يـتَـمـنّى ، وفي الأَمانِيِّ سِـحْــرٌ || يـدْفعُ النّـملَ، فهـوَ ماضٍ عَـجــولُ
تَعْجزُ الأُسْدُ والوُحوشُ جَمـيعـاً || وهـوَ ماضٍ ومـا اعْـتَراه الْخُـمـولُ
ولــهُ بالـثَّـرى أواصِـرُ قُـــرْبَى || فـعَــلى فِكْــرهِ تَـغــوصُ الوُحـــولُ
كـلُّ جـنْـسٍ يـريـدُ مِلْـكَ ثَراهــا || لِــيكـونَ الـوَحــيدَ فــيـهــا يَصــولُ
بَعــضُهُ أبيَــضٌ جَـمـيلٌ ولكــنْ || فِي حَـنـايا النّـفـــوسِ شَـرٌّ وَبـيــلُ
وكَـذا أسْـوَدٌ وأصْــفَــرُ يسْـعـى || بـنُـفــوسٍ فــيـهــا ضَـمـيرٌ هَــزيـل
يعــرِفُ الْجِـدّ والنّشـاطَ ولكــنْ || فِي سِـواها فــذاكَ فـــظٌّ جَـهــــولُ
نَـهِــمٌ ما دَرى القـناعــةَ يـوْمــاً || أوْ تَـنـاهَـتْ أطْـمـاعُــه أو تَـحــول
*****
أُمـمُ النَّـمـلِ كلُّـها قــد تَـداعَـــتْ || إذْ دعَـتْـها أهْـــواؤُهــا والعُــقــولُ
خرجَتْ من جُحورِها مُسرِعاتٍ || إذْ مَشى للشّــيْـطانِ فـيـهـا رَسـول
كـلُّ حــزْبٍ مُـسـلّــحٌ مُـسْـتـعِــدٌّ || هــاتِفٌ بالــدَّمارِ، وهــوَ الكَـفـــيـلُ
يطـلـبُ النّـصرَ كـلَّـهُ لا يُبـالِـي || في سَـبيلِ الوُصولِ كـيفَ الوُصولُ
خُـلِـقَـتْ نـفْـسُه مِنَ الطّـينِ لكنْ || روحُـــه إِعْــصــارٌ ونــارٌ أَكــــولُ
طـاولَ النّـجــمَ هِــمّــةً وخَــيالاً || وهـوَ في الأرْضِ جـاثِـمٌ لا يَـطـول
عـاش فـوقَ الثّرى ويَكْـبُرُ عنْه || وهـــوَ يومـاً إلَى الــثّرى سَــيَـئـول
يا لــهُ مـنْ جـانٍ جَـنى كلَّ شَرٍّ || وعــلى رأسِــه الشُّـــرورُ تَــــدول
لَم يَجــدْ غـيْرَ جِـنْسهِ من عَـدوٍّ || ولهُ – لـو دَرى – خُـصـومٌ تَغــول
قــاتِلٌ، بلْ مُــدمّـرٌ كـلَّ خِـــــلٍّ || وهو في الْحـقِّ- لو علمْتَ – القَتيلُ
كلّما غـالَتِ الـوَغى مـنهُ جـيلاً || يَغــتَـدي لـلْحُــروبِ جــيـلٌ وَجــيـل
قِــصّـةٌ تـنْــتَـهي لـتَـبْــدأَ دوْمـــاً|| مـا تَـوالَى للـنّــمــلِ طـبْعٌ مَـــثـيـل
ضجَّتِ الأرْضُ من لَظى الْحِقْدِ حتّى || لتَـكادُ الْجِــبالُ مـنْـهـا تَــزول
واسْتعـاذَتْ مـنهُ الْخَلائقُ جَـمْعاً || فـهْــوَ داءٌ يشْـقى بـه الْـمَـعْــلـول ‍‍
*****
قـريةُ النّمـلِ أصْبـحَـتْ دارَ ظُلمٍ || كلُّ مَـنْ فــيـهــا ظـالِــمٌ أو ذَلـــيـل
أبْـصَرتْهــا النُّجــومُ قــريَةَ شـرٍّ || مَـــزّقـتْـهـــــا عَــــداوَةٌ وذُحــــول
فَــرمَـتْها بالـــرّيحِ تَـهْــدُرُ نـاراً || وأعاصـيرَ لـيْــلُــهــــا مــوْصـــول
عـاجَـلَـتْهـا الــرّياحُ دَكّاً وحـرْقاً || غادرَتْهـا وهيَ الكَـثـيـبُ الْـمَهــيـلُ
جعــلَتْ كلَّ النّمــلِ فـيها هَـــباءً || وجَـــزَتْـهُ الفَـــناءَ، وهـــوَ قــلــيـل
وأفـاضَتْ مُـزْنُ السّماءِ مِــياهـاً || طاهِــراتٍ عــلى ثَراهـــا تَســيـل
ربّمــا أصْـبحَ الــتُّرابُ طَهـوراً || مُــنْـبِـتـاً، والنَّـبــاتُ فـيــه جَـمــــيلُ
يتغـذَّى بالطُّهــرِ جسْماً وَروحـاً || ثُـمّ يـنْـمــو وهـــوَ الـنّــقيُّ السَّــلـيل

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here