قطعة سكر – إبراهيم عبد الكريم

0
328

لم تكن تعرف أين تتجه، سارت بين الأزقة تائهة، رباه أين أنا؟ هكذا كانت تحاور نفسها. تابعت قائلة: ماذا يمكنني أن أفعل، هل أطلب المساعدة من المارة؟ كيف أستطيع الرجوع إلى بيتي؟
تقدمت السيدة فاطمة نحو شاب وسيم، أنيق، كان يقف بالقرب من مقهى، اقتربت منه، انتصبت أمامه دون أن تنطق بكلمة، ظلت واجمة وكأنها تنتظر إذنا منه بذلك. فجأة أشارت بيدها إليه تطلب منه مساعدة. هي غير قادرة على الكلام ولا المشي. نظر إليها سعيد وكأنها بكماء، حاول معرفة ما بها مستعملا حركات بيده لعله يفهم قصد هذه المرأة العجوز لكن دون نتيجة، سرعان ما تقدم نحوها، ساعدها كي تجلس على الأرض ريثما يأتيها بكرسي تجلس عليه، ذهب مسرعا إلى المقهى لكنه وجد معارضة من النادل: “دع الكراسي مكانها”، هكذا خاطب سعيد لكنه لم يوليه أي اهتمام، بل أخذ الكرسي مهرولا في اتجاه العجوز. كان لابد أن يسقيها جرعة ماء، لعلها تستعيد حيويتها وقوتها في الحركة والكلام. ذلك ما فعله سعيد دون تردد، إلا أن السيدة فاطمة ظلت تائهة في نظراتها، حتى كاد أن يغمى عليها، مرة تنظر نحو اليمين ومرة نحو الشمال. ارتبك سعيد أمام حالة العجوز، إنه حائر الآن، ماذا بوسعه أن يفعل؟
أخذ بدوره ينظر يمينا وشمالا، بل وأثار فضول المارة جميعهم. ولحسن حظه، مر شخص أربعيني أمامه، فهم حيرته وأدرك حال العجوز. أدخل يده في جيبه، وأخرج منها قطعة سكر وضعها في فم فاطمة التي لم تتردد في امتصاصها إلى أن ابتلعتها. بقي الشاب سعيد مندهشا لما فعله ذاك الرجل.
بعد بضع دقائق تغيرت فاطمة، احمر وجهها، فتحت عينيها، بعثت ابتسامة جميلة في وجه الشاب والرجل.
– “إنها أجمل هدية تلقيتها منذ وفاة أمي”، هكذا عبر سعيد عن ابتسامة العجوز.
بعد ذلك توجه بسؤال للرجل عن سر بديهته في فهم حاجة العجوز؟ رد عليه بهدوء: “يا بني، يظهر أن السيدة مصابة بمرض السكري مثلي”، ثم تابع قائلا: “لقد كانت في حاجة إلى قطعة السكر”.
في نهاية الأمر، نهضت فاطمة لكن متعبة، شكرت الرجل والشاب سعيد معا، متمنية لهما حياة سعيدة وجزاء عند الله على إنقاذهما حياتها.

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here