– بادئ ذي بدء، لمن تكتبين الشعر؟
– يلقبونني بشاعرة المجتمع نظرا للمواضيع التي انشغلت بها في كتاباتي الشعرية، ومن هذا المنطلق أكتب من أجل الإنسانية والآدمية.
– ما هي أهدافك العامة من الكتابة الشعرية؟
– هدفي الأعم جلي وظاهر من خلال الموضوعات المتناولة والتيمات المستحوذة على أشعاري، جلها إن لم أقل كلها ظواهر اجتماعية وإنسانية، أطفال الشوارع، النميمة، الطمع، التحرش، الاستغلال بجميع أنواعه، حوادث السير.. وغير ذلك من المظاهر الاجتماعية المستجدة.
فالشاعر في نظري وجب عليه الغوص في الحياة حتى الأعماق لخدمة المجتمع والإنسانية جمعاء، هدفي كان دائما وأبدا وسيظل، هو ترسيخ القيم والمبادئ كالإخلاص والتسامح والتكافل الاجتماعي، وهذا ما جعلني كشاعرة متواجدة في المدارس والإعداديات مع التلاميذ بمعية الجمعية المغربية لمحاربة التدخين والإدمان، تحثهم وتنصحهم وتشد على أياديهم من خلال مجموعة من القصائد، كما تجدني حول أطفال الشوارع في حملة دفئ مع جمعية فاعل خير مكناس وصبيحة النظافة من أجل مقابر نظيفة مع جمعية الأعمال الاجتماعية لعمال المقابر.
– هل لك أن تحدثينا عن دور الشعر في حياتك الاجتماعية؟
– أوصلني شعري إلى الإحساس بالمسؤولية تجاه الناس والمجتمع بصفة عامة، كوني زجالة أكتب بالعامية المغربة بالإضافة إلى المواضيع التي أتناولها، مما جعل لقصائدي قراءً من جميع الأعمار وجميع الفئات، وكذلك انخراطي كفاعلة جمعوية، أكسبني نوعا من الإحساس بالآخر والرغبة الكبيرة في المساندة والمساعدة دون شروط أو مقابل. ثم إن روح المواطنة التي تسري في عروقي انتقلت إلى أشعاري وترجمت على شكل قصائد، لحث الشباب على حب الوطن وخدمة الصالح العام والحفاظ على موروثاتنا الحضارية والثقافية، وخير دليل لكم استحضار ما دونته بديوان “تراب بلادي وأعظم سلطان”.
– متي كانت بدايتك مع الشعر؟
– كانت منذ سن 16 سنة سن الزهور، يوحي بكل ما هو جميل، عبارات تفوح عطرا تندى بقطرات المشاعر الفياضة، تتحول فيما بعد مع توالي الأيام والأعوام والمرور من عدة تجارب إلى نضج، ينتج عنه نوع من الكتابات الشعرية الملتزمة المسؤولة والهادفة.
– ما هي أهم المؤثرات التي أثرت في تكوين اتجاهاتك الفنية؟
– ليست هناك مؤثرات واضحة بالتعيين بقدر ما هو عطاء أو قريحة فطرية، كما أقول دائما إن شعاري الخالد:
ملي تجود القريحة
بكلام ومعاني صريحة
أمثال وأقوال صحيحة
للعباد فايدة ونصيحة
أضف إلى ذلك النشأة والتربية بمدينة مراكش العتيقة، التي تمتع سكانها بزخم من المرادفات والعبارات، ورصيد من الأمثال الشعبية وقوافي “لكلام”.
– لاحظت أن بصمتك واضحة في المشهد الشعري المغربي، أين مكانتك وأين يكمن تموقعك ضمن خارطة الشعر المغربي؟
أنا لا أصنف نفسي ضمن مجموعة معينة من الشعراء، نظرا لعوامل كثيرة يمكن ذكر إجمالها في أن الفن ليس له حدود شائكة، ثم إن النقد الأدبي الذى اكتسح الساحة الأدبية على الخصوص لم يصل بعد إلى تحديد خريطة واضحة، فهو في مجمله أقل ما يمكن أن يقال عنه أنه نقد مجاملاتي، جعل مجموعة من الشعراء في الواجهة والعدد الكبير ظلوا مغمورين.
– ما هو نوع الشعر الذي تجدين فيه ذاتك كشاعرة؟ هل هو العمودي أم التفعيلة أم النثر؟
– أكتب قصيدة التفعيلة (التقليدية) والنثر كما أكتب الزجل، أي العامية المغربية أو الدارجة المغربية، وهذا النوع من الكتابة له جمهور عريض يعشقه ويتفاعل معه من جميع المستويات التعليمية والثقافية، وحتى الذين لم يتلقوا أي تعليم باختلاف الفئات العمرية، وهذا لا يعني أني لا أفضل الفصيح أو الكتابة بالعربية، بل أعشق هذا النوع من الكتابات وأجيدها. وخير دليل ديوان: (وجع الصمت وصمت الوجع) الذي ضمنته قضايا اجتماعية إنسانية وقضايا الساعة..
– ما سبب تخلي الشعراء عن الإيقاع باتجاه قصيدة النثر التي فتحت النص على مصراعيه في نظرك؟
– إن الخروج من موروث قصائد المعلقات، هو نتاج رغبة الشعراء في استخراج الشعر من قيود الأوزان إلى سياق النثر والتحرر، ثم إن الاحتكاك بالآخر عبر تلاقح الحضارات، بالإضافة إلى عامل الترجمة من اللغات الكونية إلى العربية، دون أن نغفل رغبة الشعراء في التجديد.
نعم إن القصيدة النثرية قطعت أشواطا كبيرة، وفتحت النص على مصراعيه، وجعلته في متناول الجميع، لكنها ما زالت موضوع جدل ونقاش بين رافض ومؤيد، واليوم مع التطورات الحاصلة التي عرفها العالم، أصبح الشعر يحتاج إلى جيل من يقرأ.
– كيف للشاعرة أن تفرض سلطتها على القارئ وتترك فيه أثرا عميقا، وتوفر له المتعة الجمالية؟
– كما سبق وأن قلت، نحن اليوم أمام تحدٍّ صعب هو تحدي القراءة، نحن أمام مشكل ومعضلة خطيرة هي عزوف المغاربة بمختلف أعمارهم وقدراتهم ومستوياتهم عن القراءة.
المغاربة اليوم، ليس لديهم هاجس القراءة وهمّ الثقافة والمعرفة، يأتي هذا العزوف في سياق التحولات التي عرفتها بنية المجتمع المغربي التي خلخلت طقوس وأعراف مجتمعنا، وهذا يجعل عملية إقناع الآخر بالقراءة وتصفح الدواوين الشعرية مهمة صعبة جدا. لهذا نجد معظم الشعراء يلجؤون إلى التسجيلات الصوتية والفيديوهات، وإدخال مجموعة من المجملات الصوتية، ونشرها عبر المواقع الاجتماعية ووسائل التواصل الحديثة، وهي خطوة مهمة لإسهامها في نشر ثقافة القراءة.
– تكتبين قصيدة النثر، برأيك هل حققت ما طمح إليه الشعراء، أم أنها ما زالت تحاول إثبات ذاتها؟
– قصيدة النثر العربية غنية بالصور الإبداعية الجميلة، والجميل فيها أنها تواكب التحولات الاجتماعية والسياسة للوطن العربي والإسلامي خاصة المملكة المغربية، فيما قوتها الضاربة جمهورها وعشاقها.
– هل يمكن أن نسأل هل القصيدة النسائية بخير الآن؟ وهل تسير في طريق الإبداع؟ أم أنها تكرار لما قيل ويقال؟
– لا أومن بالقول الذي يذهب إلى التقسيم بحسب الجنس، ليست هناك قصيدة نسائية وأخرى رجالية، بقدر ما هي هم مشترك بين جميع الشعراء، إما فرح أو حزن، إذ لا يمكن في نظري النظر للإبداع من زاوية المبدع بل لكونه الإبداع نفسه، أي الفكرة والموضوع والصور المصاحبة للغة لا الجنس.
والمرأة أثبتت دوما حضورها في مجال الكتابة، قصائدها تنبض بالقوة وتنم عن قدراتها الإبداعية.
– لمن تقرأ الشاعرة مليكة بزيز؟
– أقرأ لشعراء العصري الأموي والعباسي وبعض شعراء العصر الجاهلي، ولكل شاعر أجد شعره مسؤولا ملتزما.
– ماذا تمثل الكتابة بالنسبة لك؟
– الكتابة بالنسبة لمليكة بزيز متنفس، فبالورق والحبر أتمكن من الحديث مع نفسي ومحاورة دواخلي، ثم إنها نافذة أطل من خلالها على عوالم لا يمكنني الغوص فيها دون الكتابة، فالقصيدة بالنسبة لي أخت وابنة وصديقة.
– هل لك طقوس معينة في الكتابة؟
– ليست لدي أي طقوس أو حالة معينة للكتابة، يمكنني الكتابة أحيانا في المطبخ، أو في الشارع، تأتيني فكرة معينة أتوقف وأكتبها ثم أستأنف السير، أحيانا أستيقظ من نومي لأن القريحة جادت بشيء جديد. لهذا تجدني أضع القلم والورق بجانب سريري، مرات أكتب قصيدة في بضع دقائق وأحيانا أخرى لا أستطيع كتابة حرف واحد، إنه الإلهام أو القريحة. مثلا قصيدة أطفال الشوارع وهي من أجمل قصائدي بديوان معاني وكلام كتبتها في وقت لم يتعدَّ 10 دقائق.
– أحلامك على المستوى الشخصي؟ وعلى المتون الإبداعي؟
– أحلامي على المستوى الشخصي يمكن تلخيصها في :
أولا، أن يصل حرفي لأبعد مدى ممكن، حتى أحقق ما أصبوا إليه، وهو تصحيح مجموعة من السلوكيات، والقضاء على مجموعة من الظواهر الاجتماعية المنتشرة بيننا والمتفشية في مجتمعنا، والتي لا ينتج عنها سوى التأخر والتخلف والدمار.
الثاني، أن يعم السلام والمحبة بدل الخراب والحروب والانقسامات.
فيما الحلم الثالث ، وعلى المستوى الأدبي أن يكون هناك نوع من الإنصاف، أي إنصاف الكفاءات، وأن لا تظل الأضواء مسلطة على فئة دون أخرى وحكرا على أناس معينين، وأن يصبح النقد الأدبي نقدا بنّاء وجادا .
أخيرا أوجه كلمتي للإعلام والصحافة، والقنوات الإذاعية و التلفزية، أن تولي اهتمامها للمبدعين الذين لهم غيرة على الأدب والإبداع بصفة عامة، ولهم غيرة على هذا الوطن.