قطر والقدس وملامح الحرب المقدسة القادمة – أحمد حضراوي

0
1022

بدأت ملامح الأسباب الحقيقية لبعض دول الخليج وعلى رأسها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، واستماتتها في عزل وحصار دولة قطر تتكشف أكثر فأكثر، والتي هي في الواقع دوافع قديمة جديدة لم تستطع أن تتبلور بهذا الشكل الخطير إلا بعد تحقق أمرين: الأول نجاح العسكر المصري المنقلب على الشرعية في تحييد الإسلاميين الديموقراطيين عن المشهد السياسي وبالتالي تحييد تيار كانت إسرائيل وما تزال تعتبره مرجعية المقاومة ضدها لارتباط حركة حماس ولو في نشأتها به، وأقصد هنا جماعة الإخوان المسلمين. والأمر الثاني وصول التيار الشعبوي الأمريكي إلى احتكار سلطات أكبر وأقوى دولة في العالم بقيادة حاكم غير ذي خبرة سياسية ولا ذي قراءة متمعنة للتاريخ بصفة عامة ولا تاريخ منطقة الشرق الأوسط وتاريخ قضاياه العالقة في سكة الزمن والتي لا يمكن حلها حتى وإن شاء بجرة قلم أو اتخاذ قرار لا مسؤول ومتهور قد يؤتي عكس المراد منه.

أبرزت مجموعة من التسريبات سبب تكالب دول الخليج على قطر والذي يختصر في رفض هذا البلد -الصغير جغرافيا الكبير بمواقفه المشرفة- ما اصطلح عليه بصفقة القرن والتي تختصر في: (كشف مصادر خاصة أنه وخلال القمة الترامبية الأمريكية الإسلامية الأخيرة والتي كان من المقرر فيها إعلان القدس عاصمة لإسرائيل، بمباركة ودعم كبير من دول الخليج العربي ومصر وعدد من الدول، اعترضت قطر على هذا القرار ووجهت اعتراضا رسميا شديد اللهجة، وأعلن حينها وزير خارجيتها أن أي تحرك من نوعه سوف يدفع بالمنطقة إلى حرب عالمية. وأثناء استقبال الوفود حدثت مشادة كلامية بين وفد قطر والمستقبلين السعوديين بسبب رفع الوفد القطري علم فلسطين على سيارة الوفد القطري الذي قام بإدخال أعلام فلسطين إلى داخل القمة مما أثار غضبا داخل القاعة. بعدها ألقى ترامب كلمة قوية حيث هدد كل من يدعم حركة حماس “الإرهابية كما وصفها” بالزوال القريب. وقد لاقت كلمته تصفيقا وابتسامات من كل الوفود عدا قطر، وبعد انتهاء القمة طلبت السعودية من قطر مغادرة أراضيها فورا.

وإثر وصول الوفد القطري إلى الدوحة تسلمت الخارجية القطرية رسالة من الديوان الملكي السعودي تخير قطر بين دعم الإرهاب المتمثل بدعم المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها حركة حماس “الإرهابية بالتوصيف الأمريكي” أو التوقيع على مخرجات القمة الأمريكية الإسلامية.

وقد اتفقت القمة على نقاط كثيرة غير أن ما اثار الوفد القطري هو اعتبار المقاومة الفلسطينية بما فيها حركة حماس حركات إرهابية، وكذا نقل سفارة الولايات المتحدة الأمريكية إلى القدس كاعتراف ضمني بالقدس عاصمة أبدية لدولة الكيان الغاصب. وقد رفضت قطر التوقيع على نتائج القمة وقد ردت على الرسالة السعودية، وأهم ما ورد في ردها:

“1- لن نبيع مبادئنا ولو مُسحت قطر من الخارطة

2- سندعم حماس والمقاومة الفلسطينية حتى ينال الشعب الفلسطيني كل حقوقه

3- سندفع الرواتب لقطاع غزة المحاصر.

هذا عدا الخلاف في الملفات الأخرى مع قطر من تثبيت أركان نظام عاشق الرز السيسي في مصر وحفتر في ليبيا، وتقسيم اليمن للسيطرة على موانئ عدن لتنعم موانئ دبي العالمية بالراحة والاطمئنان). – انتهى التسريب-.

وسواء صحت معطيات هذا التسريب أو بولغ فيها فإن وقائع الأحداث المتعاقبة على المنطقة تساند هذا الطرح وتزكيه وتثبته، فمصر التي أثبتت عمالتها للمقترحات الأمريكية وتطبيعها مع المستعمر منذ اتفاقية كامب ديفيد التي جاءت عقب انهزاماتها المخجلة المتكررة مع نظام فتي، وحكام السعودية الذين يريدون خلع جبة القضايا العربية وعلى رأسها قضية القدس مقابل استمرار آل سعود في الحكم برضى أمريكي عنهم كي لا تطالهم يد النزع كما طالت أو تكاد أنظمة أشد ترسخا منهم، وغلمان زايد في الإمارات العربية المهددة بلادهم بصواريخ إيران التي قد تدكها دكا في زمن قياسي إذا رفعت عنهم أمريكا يدها البيضاء، وهم من أقحموا أنفسهم في مواجهة إيران على جبهات عدة، في العراق وسوريا ولبنان واليمن.

أصبح الخطر الإيراني يطوق الجزيرة العربية من ثلاث جهات شمالا وشرقا وجنوبا، ولعل دول الخليج الآن تعض على أناملها وقد تخلت عن نظام صدام حسين “على علاته واختلافها معه”، حيث كان لها درعا ضد إيران التي بمجرد ما تم إسقاطه حتى بلعت العراق وسوريا ولبنان وأصبح لها منفذ على البحر الأبيض المتوسط إما عن طريق لبنان أو عن طريق مصر التي فتح نظام عبد الفتاح السيسي ممر قناة السويس لسفنها وغواصاتها التي تجوب سواحل الشمال الإفريقي الآن في مهمات الله وحده يعلم بدوافعها وأسبابها، ويعلم الثمن الذي قبضه عسكر مصر مقابلها.

دول عربية كبرى إذاً ضمن المشروع الصهيوأمريكي لفرض سياسة أمر واقع ينهي القضية الفلسطينية بإعلان نصر المستعمر على صاحب الأرض، مشروع تحقق منذ زمن غير أن الجديد فيه هو إعلانه من طرف الولايات المتحدة الأمريكية. غير أن هذا الإعلان الذي جاء مباشرة بعد الخريف المشؤوم الذي عاشته بلدان عربية عدة بعد الربيع الذي عرفته، قد ينعكس سلبا على أصحابه. فالعالم العربي أصبح الآن أرضا محروقة، وشعوبه أصبحت مستباحة للتشريد والمنافي وتأطير بعض الحركات المسلحة المتطرفة، مما قد يجعل المنطقة العربية كلها على فوهة بركان وموجة جديدة من العنف قد لا تستبعد أشد الدول أمنا ورفاهية وعداوة للأنظمة الثورية التي أفرزتها موجات الربيع العربي وأقصد هنا السعودية والإمارات العربية. فقد ينقلب السحر على الساحر، وقد تنتقل شرارة موجات الغضب إلى عمق هذه الدول وما ذلك ببعيد، وقد رأينا كيف كاد نظام البحرين أن يتهاوى تحت شدة ضربات الموجة الشعبية التي كانت من ورائها إيران إبان الربيع العربي الأول، ورأينا بوادر حراك في السعودية في مناطق الشيعة في الجنوب. وما استباق المملكة العربية السعودية إلى اعتقال عدد من الأمراء والعلماء والدعاة ورجال الدين تحت ذريعة محاربة الفساد لمصادرة أموالهم إلا تكتيكا لتجفيف الأموال التي -ربما- كانت معدة لتمويل مثل هذا تحرك.

تبقى الآن مسألة مهمة وهي أنه لحتمية انفجار المواجهة المسلحة بين الفصائل الفلسطينية التقليدية وربما دخول حزب الله –إن صدقت نواياه التحررية وخرج أو حاول إقناعنا بخروجه من جبته الطائفية ليعود إلى دوره الأساسي ألا وهو تحرير الأرض من المستعمر-، فإنه بغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا مع هذه الفصائل أو بعضها، فإن رصيدها في إدارة الصراع المسلح معروف وحدود استعمالها للسلاح معروفة. غير أن ما أخشاه في مثل هذه المواجهة الشرسة التي بدأت تتضح معالمها والتي قد تصل إلى الضفة الغربية كنقلة نوعية للمقاومة، هو أن يتم خلق جناح مسلح متطرف (إرهابي) على غرار القاعدة أو داعش لإرباك مسار المقاومة الفلسطينية وإدخالها من مستنقع دم فلسطيني فلسطيني، يمهد لأمراء حرب الكيان الغاصب تصفيتها كما حصل بالتمام والكمال في العراق وسوريا وغيرها، مما سيفتح على هذه البقعة الطيبة أبواب جهنم، تكون القدس ومسجدها الأقصى وكنيسة قيامتها القربان الذي سيذبح على عتبات الهيكل المزعوم.      

 

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here