” دعونا نخرج من مشاهد القتل والدماء .. ونلجأ إلى المرح البريء قليلا .. ”
إهداء :
إليه … إلى ” أبو حبيب ”
تنويه :
شخصية بطل النص والأحداث حدثت على أرض الواقع .. وليس من فضل للكاتب على النص اللهم سوى الصياغة الأدبية فحسب .
مقدمة :
في هذا الزمن .. ” زمن الردة الحديثة ” .. كم نفتقد ذكريات وشخوص ” الزمن الجميل ” ..
كنت قد طالعت في مرحلة سابقة عن إبداعات العقل البشري وإمكانياته ” اللامحدودة ” والتي يتمتع بها العقل البشري .. والذي يقوم بشتى المهام الحياتية على مدار العمر لبني البشر.
ومن ضمن تلك المهام الإبداعية المعقدة الخارقة للعقل البشري، عملية معقدة تقوم بها الذاكرة، ويطلق عليها ” الفلترة “، والتي تتلخص في قيام العقل بعملية ” فلترة ” معقدة بحيث يفرز الأحداث اليومية ويصنفها إلى مجموعات..
تتلخص الأولى في إهمال واستبعاد وحذف كل الأمور الهامشية والجانبية التي يقوم بها الانسان يوميا وبشكل روتيني..
أما الثانية فتتلخص في التركيز على الأحداث الهامة المؤثرة والتي لا يمكن للعقل تجاهلها أو نسيانها بالمطلق، والتي تتعلق بالمنعطفات والمفاصل الحادة في حياة الانسان.
أما المجموعة الثالثة فهي تقع بين هذه وتلك.. وتتلخص في كونها ليست هامشية بشكل مطلق فينبذها العقل.. وليست مؤثرة لكي تظل طافية على السطح على مدار الوقت.. فالعقل في هذه الحالة يقوم بحفظ تلك الأمور في مخازن خاصة.. أطلق عليها لفظ ” الآبار المهجورة ” والتي قد تظل راكدة وساكنة حبيسة ” الآبار المهجورة ” طوال العمر.. اللهم إلا دعت الضرورة لاستحضارها من مخازن ” الآبار المهجورة “.
أعرف جيدا بأن هذه المقدمة كانت طويلة جداً ولا تلائم تلك المقدمات المختصرة والمختزلة للنصوص الأدبية خاصة في مجال القصة القصيرة ..
وأعرف بأنه قد وصل الحال بالقارئ – بعض القراء – إلى درجة الملل والتفكير بعدم استئناف مطالعة هذا النص..
ولكن عذري بأن الذي دعاني لمثل هذا الأمر.. من التمهيد المطول بالعودة إلى ” الزمن الجميل ” .. والذي أدى بي إلى اللجوء إلى ” الآبار المهجورة ” كان عذري بأنني كنت أستدعي شخصية جانبية وهامشية.. عمرها لا يقل عن ستة عقود خلت كانت حبيسة ” الآبار المهجورة ” تلك..
( الكاتب ) .
———————
( أبو حبيب )
كنت ضمن زمرة الأطفال والصبيان تلك، والذين كانوا يتحلقون في حلقة كبيرة من حول الرجل.. ثمة هرج ومرج يسيطران على المكان.. أصوات الجلبة والضوضاء والضحكات والقهقهات الطفولية البريئة تصل حتى عنان السماء.. القلوب الطفولية الجذلى تمتلئ بالسعادة والحبور.. الفرحة والبهجة والسرور.
في وسط الحلقة تماماً… كان يقف ؟؟!!
كان رجلاً مفرطاً في السمنة.. مفرطاً في القصر.. مفرطاً في الميل إلى السمرة..
يرتدي الأسمال المهلهلة الممزقة البالية.. والتي لا تمت للملابس بصلة.. فهي قطع قماشية متباينة الأشكال والألوان والأحجام.. فقدت الترابط فيما بينها منذ زمن بعيد.. وأصبحت كخرق قماشية مهلهلة تكشف من جسد الرجل أكثر مما هي تستر بكثير ؟؟!! .
أشعث الشعر ؟؟ وكأن صاحب الشعر لم يعرف يوماً شيئا اسمه ” المشط ” ولم يستعمله قط ..
غزير شعر الذقن والصدر وكأنها غابات الأمازون أو ” السافانا ” ..
ينتعل في قدميه ما يشبه الحذاء الأثري.. الذي تقطعت أوصاله وترامت أطرافه.. الذي وكما يبدو يعود لعهد الفراعنة الأوائل..
ليس كل هذا وذاك هو كل ما كان يميز الرجل.. فكل تلك الأمور والأشياء تعتبر هامشية.. بل هامشية جداً إذا ما قورنت بالأمر المحوري الهام ؟؟!!.
” الصفارة ” ؟؟!! .. نعم إنها ” الصفارة ” الحديدية الصغيرة المدورة المثقوبة من وسطها.. والتي كانت المحور الأساس لمرح وسرور الأطفال.. الذين كانوا يتحلقون من حول الرجل.. ؟؟!!
كان الرجل يضع تلك ” الصفارة ” في فمه بين شفتيه بشكل بهلواني غريب ؟؟ .. ثم يأخذ بإصدار أصوات صفير يرتفع وينخفض ويتشكل ويتغير في كل لحظة وفي كل ثانية ليأخذ شكلا مختلفاً.. فهو يشبه صوت القطار مرة.. وصوت السيارة مرة أخرى.. وصوت الطائرة مرة ثالثة..
ثم يقوم بتغيير شكل الأصوات الغريبة لصافرته.. فيصدر صوتاً يشبه صوت العصفور.. ثم صوت الكنار.. البلبل.. العندليب.. والحمام.. بشكل متعاقب ومتسارع.. فيطرب الأطفال سعادة وسروراً ويتمايلون يمنة ويسرة على نغمات ” صفارة ” الرجل.. ومع تمايل جسده الغريب والمصاحب للنغمات الرائعة.. وابتسامته البريئة السمحة.
الرجل؛ لم يكن ” شحاذاً ” كما قد يتبادر إلى الأذهان.. ولم يكن يستجدي الحسنة أو الصدقة من أحد.. فمثل أولئك الأطفال الفقراء في ذلك الحيّ الشعبي؛ لم يكونوا يملكون شيئاً يتصدقون به على الرجل..
واقع الأمر بأن الرجل بشكله ومواصفاته تلك كان يستجدي فعلاً.. ولكنه كان يستجدي الابتسامة يرسمها على وجوه الأطفال.. ويستجدي الفرحة يزرعها في قلوبهم..
.. عندما كان الرجل يكف عن عزفه الرائع لالتقاط أنفاسه المتلاحقة.. ويحاول أن يمسح حبات العرق المنهمرة من وجهه بأطراف أكمامه ؟؟!! ؛ كان صراخ الأطفال يدوي استنكاراً واستهجاناً ورفضاً للأمر.. وهم يطالبون الرجل بالمزيد والمزيد من العزف الرائع.
والحال كذلك؛ فلا يسع الرجل سوى الانصياع لمطالبهم وإلحاحهم.. فيعود إلى ” الصفارة ” خاصته.. لكي يستأنف عزف السيمفونية الرائعة.. التي تدخل القلوب قبل الآذان.
عندما كان الرجل ينهي مهمته في إتمام المعزوفة.. وقد شعر بأنه قد وهب الأطفال شحنة كافية من السعادة، وبعد أن يكون قد أصيب بالإنهاك الشديد.. يهم بمغادرة المكان.. ويأخذ بالاستعداد للتحرك ويبدأ السير بخطوات منتظمة وئيدة.. والتي هي أشبه ما تكون بتلك الخطوات العسكرية المعهودة.. فيصطف الأطفال من خلفه في طابور طويل طويل منتظم.. بخطواتهم المنتظمة الوئيدة التي تشبه الخطوات العسكرية.. على أنغام ” المارش العسكري ” الذي يصاحب الموكب من خلال ” الصفارة ” الحديدية المثقوبة.. المثبتة بين شفتي الرجل ” أبو حبيب “.. وهم يرددون بصوت مشترك مدوٍ :
” أبو حبيب ” … ” أبو حبيب ” … ” أبو حبيب ” …
ترافقهم موسيقى عذبة تنطلق من سيمفونية ” صفارة ” ” أبو حبيب ” .. بنغماتها المميزة الرائعة ..
” توت توت ” … توت توت ” .. توت توت ” …
( انتهى النص … وما زالت الأصوات في ذهني .. وفكري .. تنطلق قوية مدوية .. متمردة على سجنها الطويل في ” الآبار المهجورة ” ..
” أبو حبيب ” … ” أبو حبيب ” … ” أبو حبيب ” …
ترافقهم موسيقى عذبة تنطلق من سيمفونية ” صفارة ” ” أبو حبيب ” .. بنغماتها المميزة الرائعة ..
” توت توت ” … توت توت ” .. توت توت ” …
قام خالد زهران بمشاركة منشور خاص به.
قام الشاعر إيهاب محمد عزت بمشاركة منشور خاص به.
تمت مشاركة صورة خواطر جميله من قبل Jamileh Alkujok.
صباح الخير
قد تكون الإعاقة عقبة كأداء في حياة أحدهم لكنها لن تكون إعاقة حقيقية إلا إن أصابت النفس ذاتها بالإحباط فكم من أصحاب جسوم سليمة معاقي الأذهان.
جميلة الكجك
قام Aml Elbarghoty بمشاركة منشور خاص به.
تمت مشاركة منشور المكتشف من قبل Emir Bn Mokhtar.
قام خالد زهران بمشاركة منشور خاص به.