في ضيافة عبد الله بوصوف، من ذكريات معرض الكتاب 5 – أحمد حضراوي

0
294

أن تصبح تحت عيون أمين مجلس الجالية في الفندق، يبحث عنك بين زواياه ومرافقه المتعددة حتى غرفتك منذ لحظة وصولك، وتحت عيون ابنته خلال تنقلك حتى باب رواق المعرض لتستقبلك زوجته بكل حفاوة وتشعرك بأن أكبر شرف تحظى به هو يوم لقاؤك ومن معك، يجعلك تتساءل، هل هذه فعلا حفاوة وتكريم من جهة رسمية مغربية (ولو في شقها العائلي)، أم خطة لوضعك تحت المراقبة في كل تحركاتك، فلم يبق إلا أن توضع في ود باقي الأسرة “البوصوفية” والذي لم يتأخر لتكتمل الصورة، فقد تم تقديم شاب في مقتبل العمر لي على أنه ابن السيد عبد الله بوصوف، كان في رفقة صحفي مزود بحقيبة صحفية رأيت فيما بعد كل محتوياتها من كاميرات وآلات تصوير وغيرها من الأدوات حين فتحها أمامنا على إحدى طاولات المعرض، سلم علي بدوره وقدم لي نفسه كصحفي بموقع “العمق المغربي”، وقد كان علاقته من خلال ما لاحظت بآل بوصوف عميقة جدا.
كانت هناك في مدخل رواق المجلس بمعرض الكتاب واقفة منتصبة على عصاها المعدنية بزيها المحتشم لكن الفاخر وغطاء رأسها المتعدد الألوان، تعد أجمل ابتساماتها وتكاد تمد يدها لنا عبر الأثير لتصافحنا، اقتربنا منها لتتحاشى باقي أصدقائي وتبدأ بمصافحتي أولا بحرارة فائقة، شعرت صراحة بتقدير عظيم من طرف تلك المرأة لي وتقديرا مفرطا، سألتني بمكر بعد أن حيت باقي أعضاء الرابطة بأدب جم وقد حييتها باسمها: «هل كنت تعرف أنني..» تقصد هل كنتُ على دراية بأنها زوجة بوصوف، أجبتها بنعم، ولم أرد أن أطلعها على أنني لم أعرف إلا من عهد قريب لأنني كنت أدرك تماما لعبتها وتوقيت كشفها لي عن هويتها عبر ذبابها وذباب زوجها، أو بالأحرى عبر شبكة جوسستها الفيسبوكية، نظرت إلي باستغراب ثم سألت ألم تتفاجأ، أجبتها هي بشرى سارة فحري بي أن أسعد بها لا أن أتفاجأ، أضافت: ربما كتبت لك هذا أكثر من مرة في أكثر من تعليق، لكن أحب أن أقولها لك الآن بشكل مباشر، أنت تكتب الشعر بشكل جيد يا أحمد.
أحمد، أحمد فقط، لا أحمد حضراوي ولا أستاذ ولا، مجرد أحمد.
شكرتها بكل تقدير لها ولشهادتها الطيبة وتنحيت جانبا منتظرا مع غيري خطوة استقبالها التالية لنا.
أخذتنا في جولة سريعة إلى رواق المجلس، وكتبه المعروضة، التي استغربت من وجود أسماء بعض شعراء وكتاب بروكسل المتواضعة وقد نشر المجلس دواوينهم وكتبهم، تصفحت أحدها فوقعت عيني على خطأ عروضي فادح فأعدت طي الديوان وأعدته إلى مكانه، يكفي أن تفتح كتابا بشكل اعتباطي على صفحة ما لتدرك قيمة الناشر العلمية والأدبية، من خلال خبرتي الكبيرة مع الكتاب أصبحت أتجاوز ألوان الأغلفة التي لم تعد تبهرني، وحده المضمون أحق بالاحترام.
بعد أن اعتذرت لنا عن عدم قدرتها على اصطحابنا في جولة أوسع من ذلك بسبب حالتها الصحية، أكملنا جولتنا بالرواق الذي يتميز بحق عن باقي الأروقة أو معظمها بغرفته الزجاجية المغلقة، والتي تكسر صخب وضجيج المعرض، ثم استأذناها في جولة بباقي أرجاء المعرض، ما إن انتشرنا في أرجائه المكتظة بالزوار حتى تلقيت مكالمة من الأمين العام للمجلس عبد الله بوصوف يستعجلنا فيها للقاء فوري بمكتبه، أنا وأعضاء الرابطة ويحدد لي موعدا بعد نصف ساعة، أخبرته أننا بالمعرض وأن المدة التي حددها يصعب علي فيها حتى أن أجمع باقي الأصدقاء فكيف أن نصل خلالها إلى مكتبه الذي يخصص له عادة خلال أيام المعرض بأحد طوابق فندق فرح، الطابق الذي خصصت باقي أجنحته الفاخرة لإقامة زوجته وأبنائه ومن انتدبهم من أهله، الذين لا علاقة لهم بالثقافة والإبداع لا من بعيد ولا من قريب.

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here