Home Slider site في ضيافة عبد الله بوصوف، من ذكريات معرض الكتاب (22) – أحمد...
لم أتأخر في غرفتي كثيرا بل استعددت للقاء هذا الرجل/ المسؤول الذي يصر على مقابلتي رغم -صعوبة الظروف كما يقول دون أن يبين ما هي-، بينما أفراد من الجالية ومن ألمانيا تحديدا جالسون بقربي على إحدى كنبات قاعة انتظار الفندق يحاولون الاتصال به منذ ساعات بل وأيام دون أن يعيرهم أدنى اهتمام، سمعت أحدهم يعقب ساخرا: “يرفض الرد على اتصالاتي رغم أني أعرفه منذ أيام “اتاخوانجيت”، إيحاء منه أنه كان قريبا من عبد الله بوصوف خلال فترة “التزامه بخط تنظيمي سري ما”، يقول إنه تخلى عنه.
تخطيت عتبة الفندق لأقف على رصيف الشارع وألوح لعشرات سيارات الأجرة العابرة من أمامه المستعجلة من أمرها وكأنها في سباق، ما إن تتوقف إحداهن وينزل لك سائقها جزءا من زجاج النافذة صوبك ويسألك عن وجهتك حتى يغادر بأسرع مما تتوقف لك، فالمسافة قريبة جدا بالنسبة له ولا فائدة ترجى من وراء “الصفقة”. نفس ما قيل لي من طرف سائقي سيارات الأجرة المصطفة أمام الفندق، الكل يأمل في صفقة العمر، أما نقلي إلى مكتب عبد الله بوصوف، فبالنسبة لهم مجرد تضييع للوقت. هل كانت هذه إشارة إلهية لي لم أفهم مغزاها حينها، حتى قبل أن أقابل الرجل؟ ربما.
بعد انقضاء الـعشر دقائق تقريبا، توقفت أمامي سيارة أخيرا لتنزل أحدهم، سألته عن وجهتي فأذن لي بالركوب وقد أخبرني أن المكتب ليس ببعيد، وما هي إلا دقائق قليلة حتى كنا في المجمع الذي يتواجد به مكتب مجلس الجالية، سألنا بعض المرتادين هناك فدلونا على مدخله. سحبت نفسي من السيارة واتجهت نحو موظف الاستقبال، كان مجيئي قد استغرق نصف الساعة تقريبا منذ اتصال بوصوف بي والذي أخبرني فيه بأنه سيكون متواجدا في مكتبه بعد ربع ساعة منه. سألت عنه في الاستقبال فقيل لي أنه لم يصل بعد.
خرجت من البناية وقمت بجولة حول بنايات تجمعات المكاتب القريبة من المكان، حتى وجدت مقهى عرف كيف يختار موقعه، واشتهيت تناول فنجان من القهوة قبل العودة إلى مكتب الجالية، غير أني توصلت بمكالمة أخرى من الدكتور عبد الله بوصوف يعتذر لي فيها عن تأخره بسبب زحمة طرقات العاصمة، وبأنه سيكون في استقبالي خلال عشر دقائق. كنت قد قمت من مجلسي واتجهت نحو مكتبه، فلمحته يلملم أوراقه في سيارته الفخمة، انتظرت حتى دخل من بوابة البناية، بعدها بخمس دقائق كنت أمام موظفي استقبال مكتبه بالطابق الأرضي، سرعان ما بلغوه بحضوري، وإن هي إلا دقائق معدودة حتى كان الرجل واقفا أمامي، يستقبلني بالأحضان وبابتسامة مشرقة وكلمات ثناء وترحيب.
الحق والحق أقول، أشعرني الرجل بكل حفاوة كرم أهل الريف الطيبين، ولم يترك يدي إلا وقد وصلنا الطابق الذي به مكتبه، أجلسني على كنبته الواسعة، وإن هي إلا لحظات حتى كانت أطباق الحلوى المصاحبة للشاي قد فصلت بيننا، وقد بدأني الحديث بإخباره لي بإعجابه بتجربتي الثقافية في بلجيكا والتي كانت حينها في إطار المقهى الأدبي في بروكسل، ومتابعته اليومية لي على صفحتي على الفايسبوك وما أنشره فيها من كتابات خاصة القصائد الشعرية، بل ونقل لي حتى ثناء السيدة حرمه -الشاعرة والفنانة التشكيلية- علي وعلى مجلتي الديوان، وصولا إلى البرنامج التلفزيوني الذي كنت قد أطلقت منه بضع حلقات حينها.
كان الرجل في قمة الحفاوة بي، نسي -ظروف الموعد الصعبة- ونسي ساعة يده والساعة المعلقة على الجدار، كل ما تذكره هو ضيفه الذي حطته أجنحة الريح في مكتبه.
– السي احمد، أنا باغي نعاونكم، ليس منة منا عليكم، بل لأننا نحتاج إلى طاقات مثلكم، المجلس أحوج إليكم منكم إليه. تجربة المقهى الأدبي والملتقيات الأوروبية التي قمتم بها تجربة رائدة وغير مسبوقة بهذا الشكل الذي تقدمونه، هي في الواقع تجربة تصنف ضمن تجارب شعراء المهجر الكبار إيليا أبو ماضي وجبران، شرف لنا أن نوليها كل اهتمامنا وطاقتنا بل وكل دعمنا، والمجلس مستعد لأن يدعمكم بالغالي والنفيس. قبل أن تسافر -السي احمد- اترك لي قانون جمعية المقهى الأدبي التأسيسي، ورقم الحساب، “باش نبعث ليكم شي بركة.
– ولكن السي بوصوف، نحن نشتغل بدون جمعية، نعقد اجتماعاتنا بشكل دوري، لكننا لم نر يوما داعيا لتأسيس كيان؟
– “كيفاش”؟ ماذا؟ لا أدري كم دورة نظمتم وملتقى أوروبي، وتقول لا تمتلكون جمعية؟ وكيف تمولون كل هذا الإشعاع الثقافي؟
– نعم نحن نشتغل بطريقتنا، وكل أنشطتنا بصفر يورو وصفر درهم، إلا مما يبذله أعضاء المقهى الأدبي أنفسهم من جهد ومبالغ متواضعة.
– ما تقومون به عجزت عنه دول بإمكانياتها وميزانياتها الضخمة، وأنتم نجحتم فيه بصفر دعم؟
استوى في مجلسه وارتشف رشفة طويلة من كأس الشاي الذي كاد يبرد وهو يعزف عليه بأصابعه التي تتناسب مع حجم يده ثم أضاف:
– ما دام الأمر هكذا فأنا لا أستطيع أن أدعمكم رسميا بشيء، لكن ما أستطيع أن اقترحه عليك، هو الإسراع بإجراءات تأسيس جمعية ثقافية وفق القانون البلجيكي أول ما تعود إلى بلجيكا، وحينها سيكون لنا كلام، ولا تنس فتح حساب بنكي باسمها حتى نتعامل من خلاله “لأن هذا هو المهم هههه”، وبمجرد تنفيذ كل ذلك أخبرني، وحينها سأرسل إليك لتزورني مرة أخرى في مكتبي على أن تكون محملا بمشروع مكتوب -طبعا هو نفسه ما قلناه وتحدثنا فيه- و”هاذ المشروع وكل مشاريعك احسبها علي السي احمد”.
ماذا يكون إحساسك حين تجلس بين يدي أكبر مسؤول عنك كمهاجر مغربي خارج الوطن، وقد تم التلاعب بموهبتك في بلدان عربية كمصر والإمارات، وشنت عليك الحروب في بلد إقامتك وعلى تجليات شعرك من بني جلدتك وبني بلدك، ماذا سيكون هذا الإحساس وأنت بين يديه وحاله يقول لك:” شبيك لبيك، كل اهتمام مجلس الجالية بين إيديك”.
قد أُتهم بنفس الغباء الذي اتهمت به كل مرة منذ تصديقي وعود أحمد بخيت في مصر، وقبله من طرف أشخاص ومؤسسات عدة، لكن كل ما أملكه، هو ألا أسيئ الظن بأحد ما لم تؤكد لي الأيام كذبه.