في رثاء أحمد حضراوي – د. يحيى الشيخ

0
1065

رأيتُ في منامي أنني أزورُ قبر المرحوم أحمد حضراوي، فإذا بي أجد في جنباته أنوارا تشعّ بأبيات من نقمة عروة بن الورد على القوم الفاسدين وسخرية جرير من صالونات عصره وغضب المتنبي من محتقريه، وبعضها الآخر كان مما كتبه الفقيد على الفايسبوك في موضوع موته قبل رحيله بقليل. فأجهشت بالبكاء آنذاك تحسرا على نفسه المباركة، ثم نظمت هذه القصيدة تبركا بروحه الطاهرة: 

قدْ ماتَ أَحمدُ في ربيع شبابهِ

وَبقيتُ وَحْدي لا أطيقُ لَيالِيا

يا لَلفؤادِ متى تَغيَّبَ خِلُّهُ

أبدا تَراهُ من المحبّةِ خالِيا

هلْ كانَ أحمدُ غيرَ قلبٍ عاشقٍ

بالحبّ يطفحُ ثمّ يُنشدُ عالِيا؟

شَهمٌ متى وَقفَ الصديقُ بِبابهِ

يَأْتيهِ مُنبسطًا فَيذهبُ راضِيا

وإذا تبسّم خِلْتَهُ قَمرَ الدُّجى

وإذا تَكلّمَ كان طيرا شادِيا

ذَهبَ الجمالُ بِموْتِ أَحمدَ، لَيتهُ

ماتَ الجمالُ وظلَّ أَحْمدُ باقيا

يا لَوْعَتي وَمُصيبتي وَمَذلَّتي

فالأرضُ، أَحمَدُ، لن تكونَ كما هِيا

كانَ الرَّوِيَ لَها وَمَبْناها الّذي

لَوْلاهُ ما كانتْ تَضِجُّ قَوافِيا

قَدْ مِتَّ أّحْمَدُ وَالبلادُ مريضةٌ

هلاّ رَجعتَ فقدْ سَئمتُ بَقائِيا؟

فَالعيشُ، أَحمدُ، بعدَ مَوتكَ ذِلّةُ

والشعرُ بعدكَ كم يجيءُ مُجافيا!

وإذا الزمان تَقوّسَتْ أضلاعهُ

كنتَ البلاسمَ والعلاجَ الشافيا

وإذا الوجود لَغى فَأَنْتَ خَطيبُهُ

 إن قلتَ كان وإِنْ صَمَتَّ فَلاغِيا

يا ربِّ خُذْني كيْ أُصافحَ أَحْمَدي

هذا الذي في التربِ صارَ مُوارِيا

خًذْني إليهِ فقدْ مَللْتُ مَواجعي

فَلعَلَّه قَبْرا يكونُ مُداوِيا

فَهناكَ في الموْتى نُجرِّبُ شِعْرَنا

فَالشعرُ في الدنيا تَعَرَّشَ خاويا

جُملٌ يضيعُ النحوُ في أَنّاتِها

وترى النداءَ يَصيح ُ: أين مُنادِيا؟

خُذني إليهِ فَإِنّني في لَوْعتي

أَصبحْتُ عن سُنَن التفاهةِ سالِيا

يا أَحْمدُ المفقودُ أنتَ إِمامُنا

فَانْثُرْ هِباتِكَ قَدْ عَهِدْتُكَ ساخِيا

فَالْقبرُ قبرُكَ جنةٌ معمورةٌ،

وَأَنا أَخوكَ وكمْ سَئِمتُ زَمانيا

إنّي لَأبْكي فيكَ سَبقَ مَنيّتي

يا لَيتَ يَخْنِقُني عَلَيْكَ بُكائِيا!

فَاسْعدْ بِقبركَ كمْ رَأيْتكَ ضائعًا

في أَرْضنا تُلْقي القصيدةَ صادِيا

ولَكَمْ رأَيْتُكَ حين تَعْشَقُ خِلَّةً

الموتَ تَعْشقُ إِذْ تُعانِقُ باكيا

في وَجْنَتَيْها توقِظُ الفوضى وفي

عزِّ اللقاء أراكَ تَلعنُ شاكِيا

هَيّا فَمُتْ حتى نراكَ حقيقةً

وإذا تموتُ فَلنْ تُودّعَ سالِيا

تَهْوى المماتَ أخي فَموتُكَ رحمةٌ

لِلعاشقينَ وَلي فأنتَ دَوائيا

يا سيّدي المفقودُ أحمدُ لَفتةٌ

لي مِنكَ حتى أَلتقيكَ مُواسيا

أَتظنُّني أنسى وكلّ مَواجعي

تَنسى، وما قد كنتُ يوما ناسيا؟

إني أنا عن نعمةِ الموتِ الذي

لولاكَ كنتُ عن التودّدِ لاهِيا

ها أنتَ ترحلُ والرحيلُ تَجدّدٌ

إنّي سأرحلُ، هل حَجزْتَ مَكانِيا؟

صلّى عليكَ الشعرُ يا بدرَ الدُّجى

والعاشِقانِ إذا العِناقَ تَراضَيا

وأنا، وإنّي كمْ سعدتُ وإنّنى

ما زلتُ أَسعدُ إذْ عَرَفتُكَ فانِيا..

رحمك الله وأسكنك فسيح جناته، وعفا عنا جميعًا بجاهه ومنّه وكرمه.

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here