هذا واحد من الكتب المهمة التي ظهرت في السنوات الأخيرة عن تطور العلوم عند المسلمين، لمؤلفه جون فريلي، وهو فيزيائي وباحث في تاريخ العلوم من أمريكا. والكتب في تاريخ العلوم عند المسلمين لا تنقطع أبدا بشتى اللغات، لكن للأسف لا زالت دور النشر والدوائر الثقافية العربية لا تترجم من المؤلفات الأجنبية إلا ما يتعلق بالتفاهات، فكأن الدوائر الثقافية العربية تريد مساعدة التلفزيون، بل لا كأن.
المؤلف يقول إن العلوم عند المسلمين خرجت من القرآن، وهذه حقيقة، لكن أن يقولها أجنبي فهذا اكتشاف. كان المسلمون كلما قرأوا شيئا من القرآن خرجوا ليبحثوا. وفي الواقع هذا لم يحصل في أي أمم من الأمم عبر التاريخ كله منذ أن ظهر بشر فوق الأرض، أن يخرج العلم من العبادة. وهناك قوله معروفة لعمر بن الخطاب جميلة يقول فيها “كنا نحفظ العشر آيات فلا ننتقل إلى ما بعدها حتى نعمل بهن”، وقد يعتقد البعض أن المقصود العمل الديني، وهو غير صحيح، بل المقصود الجميع، علما بأن الفصل بين الديني والدنيوي لا يوجد.
فكان المسلمون إذا قرأوا”أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت “اخترعوا البيطرة، والكتب عن الحيوانات وحياتها في التراث العربي من العد بحيث لا توصف، وإذا قرأوا”قل سيروا في الأرض” درسوا الجغرافيا والأمم الأخرى، ووصل البيروني المتوفى عام 973 ميلادية إلى الهند وكتب كتابه المعروف، وهو لا يزال مرجعا حتى اليوم في ثقافات وأديان الهند وأقدم وثيقة عالمية عن الهند وشهادة على تسامح المسلمين، وعلمتهم الصلاة علم المواقيت والإرث علم الحساب والصيام علم الفلك. وقد يغتاظ البعض من أن العلم خرج من بين دفتي القرآن، ولكن هذا بالفعل ما حصل، مع الأسف الشديد.
واستلم المسلمون ما خلفه الإغريق من المعارف فطوروها وقاموا باختبارها وتصحيحها ما علق بها من أخطاء علمية، ويذكر المؤلف أن المأمون طلب من موسى بن شاكر الفلكي في بغداد أن يعيد قياس محيط الأرض للتأكد من فرضية الفلكي الإغريقي eratosthenes. والكتاب فيه مزود بالأشكال والوثائق.
ويقول المؤلف أمرا في غاية الأهمية، وهو أن الحروب الصليبية التي بدأت عام 1096 ميلادية كانت فرصة لنقل علوم المسلمين إلى أوروبا، وكلمة “نقل” تعني السرقة لكن المؤلف يعتبرها نقلا. ويقول إنه لولا المسلمون ما وصلت العلوم والفلسفات الإغريقية إلى الغرب.
قلت: وقد ضرب الغرب عصفورين بحجر واحد، وجمع بين علوم الإغريق وعلوم المسلمين، ولكنه تنكر للمسلمين ورفع من شأن الإغريق. ثم دخل المختبر وصنع فيروسا غريبا وقام بنشره في العالم العربي، كل من تنفسه قال: العلم والفلسفة عند الإغريق ولم يقدم المسلمين شيئا.
وشم أبناؤنا تلك الرائحة الفاسدة فانتشرت المقولات الخاطئة، وخرجت طائفة تسمت بالمفكرين وما هم سوى “مكررين” (الخطأ مني). وهكذا كلما حاولت أن ترش المبيدات اتهموك بينما أنت تريد علاج مرض مزمن. وسوف يجدون عقارا لعلاج كورونا، أما نحن فسوف نجد صعوبة في اكتشاف عقار لعقولنا.
وللحديث بقية.